قال تعالى: {وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ - إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} [هود: 118 - 119] فأهل الرحمة متفقون مجتمعون، والمشركون فرقوا دينهم وكانوا شيعا.
ولهذا تجد ما أحدث من الشرك والبدع، يفترق أهله؛ فكان لكل قوم من مشركي العرب طاغوت، يتخذونه ندا من دون الله، فيقربون له ويستشفعون به ويشركون به. وهؤلاء ينفرون عن طاغوت هؤلاء، وهؤلاء ينفرون عن طاغوت هؤلاء، بل قد يكون لأهل هذا الطاغوت شريعة ليست للآخرين، كما كان أهل المدينة الذين يهلون لمناة الثالثة الأخرى، ويتحرجون من الطواف بين الصفا والمروة، حتى أنزل الله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158] الآية.
وهكذا تجد من يتخذ شيئا من نحو الشرك، كالذين يتخذون القبور وآثار الأنبياء والصالحين مساجد، تجد كل قوم يقصدون بالدعاء والاستعانة والتوجه من لا تعظمه الطائفة الأخرى.
بخلاف أهل التوحيد، فإنهم يعبدون الله لا يشركون به، في بيوته التي قد أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، مع أنه قد جعلت لهم الأرض مسجدا وطهورا. وإن حصل بينهم تنازع في شيء مما يسوغ فيه الاجتهاد، لم يوجب ذلك تفرقا ولا اختلافا، بل هم يعلمون أن المصيب منهم له أجران، وأن المجتهد المخطئ له أجر على اجتهاده، وخطؤه مغفور له.
والله هو معبودهم ، إياه يعبدون وعليه يتوكلون، وله يخشون ويرجون، وبه يستعينون ويستغيثون، وله يدعون ويسألون .
(اقتضاء الصراط المستقيم لشيخ الإسلام)