السبت، 10 يناير 2015

صفة الكلام لله تعالى

قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله في شرح العقيدة الواسطية(58-62): 
قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ‏}‏ أي‏:‏ لا أحد أصدق منه سبحانه فهو استفهام إنكاري ‏{‏حَدِيثًا‏}‏ أي‏:‏ في حديثه وخبره وأمره ووعده ووعيده وقوله‏:‏ ‏{‏وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا‏}‏ القيل‏:‏ مصدر قال كالقول‏.‏ أي‏:‏ لا أحد أصدق قولًا من الله ـ عز وجل ـ‏.‏

والشاهد من الآيتين الكريمتين أن فيهما إثبات الحديث والقيل لله سبحانه، ففيهما إثبات الكلام له سبحانه‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ‏}‏ أي‏:‏ اذكر ‏{‏وَإِذْ قَالَ اللَّهُ‏}‏ جمهور المفسرين ذهب إلى أن هذا القول منه سبحانه يكون يوم القيامة، وهو توبيخ للذين عبدوا المسيح وأمه من النصارى‏.‏ وهي كالآيتين السابقتين فيهما إثبات القول لله تعالى وأنه يقول إذ شاء‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا‏}‏ المراد بالكلمة كلامه سبحانه‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏صِدْقًا‏}‏ أي‏:‏ في إخباره سبحانه ‏{‏وَعَدْلًا‏}‏ أي‏:‏ في أحكامه و ‏{‏صدقًا، وعدلًا‏}‏ منصوبان على التمييز، وفي الآية إثبات الكلام لله تعالى‏.‏ 
وقوله‏:‏ ‏{‏وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا‏}‏ هذا تشريف لموسى ـ عليه السلام ـ بأن الله كلمه أي أسمعه كلامه، ولهذا يقال له‏:‏ الكليم و‏{‏تَكْلِيمًا‏}‏ مصدر مؤكد لدفع كون التكليم مجازًا‏.‏ ففي الآية إثبات الكلام لله وأنه كلم موسى ـ عليه السلام ـ‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللَّهُ‏}‏ أي من الرسل عليهم الصلاة والسلام ‏{‏مَّن كَلَّمَ اللَّهُ‏}‏ أي‏:‏ أسمعه كلامه بلا واسطة يعني موسى ومحمدًا عليهما الصلاة والسلام، وكذا آدم كما ورد به الحديث في صحيح ابن حبان‏.‏ ففي الآية إثبات الكلام لله تعالى وأنه كلم بعض الرسل‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا‏}‏ أي‏:‏ حصل مجيئه في الوقت الذي واعده الله فيه ‏{‏وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ‏}‏ أي‏:‏ أسمعه كلامه من غير واسطة، فالآيات فيها إثبات الكلام لله وأنه يتكلم متى شاء سبحانه، وأنه كلم موسى ـ عليه السلام ـ بلا واسطة‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَنَادَيْنَاهُ‏}‏ أي‏:‏ نادى الله تعالى موسى ـ عليه السلام ـ‏.‏ والنداء هو الصوت المرتفع ‏{‏مِن جَانِبِ الطُّورِ‏}‏‏:‏ جبل بين مصر ومدين ‏{‏الأَيْمَنِ‏}‏ أي‏:‏ الجانب الأيمن من موسى حين ذهب يبتغي من النار التي رآها جذوة، وليس المراد أيمن الجبل نفسه فإن الجبال لا يمين لها ولا شمال‏.‏ ‏{‏وَقَرَّبْنَاهُ‏}‏ أي‏:‏ أدنيناه حتى كلمناه ‏{‏نَجِيًّا‏}‏ أي‏:‏ مناجيًا، والمناجاة ضد المناداة‏.‏ وفي الآية الكريمة إثبات الكلام لله تعالى وأنه ينادي ويناجي، وهما نوعان من الكلام، فالمناداة بصوت مرتفع والمناجاة بصوت غير مرتفع‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى‏}‏ أي‏:‏ واتل أو اذكر ذلك ‏{‏ وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى ‏}‏ النداء هو الدعاء ‏{‏أَنِ ائْتِ‏}‏‏:‏ ‏{‏أَنِ‏}‏ يجوز أن تكون مفسرة وأن تكون مصدرية، أي‏:‏ اذهب إلى ‏{‏الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ‏}‏ وصفهم بالظلم لأنهم جمعوا بين الكفر الذي ظلموا به أنفسهم وبين المعاصي التي ظلموا بها غيرهم كاستعبادهم بني إسرائيل وذبح أبنائهم‏.‏ وفي الآية الكريمة‏:‏ إثبات الكلام لله تعالى وأنه ينادي من شاء من عباده ويسمعه كلامه‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ‏}‏ أي‏:‏ نادى الله تعالى آدم وحواء عليهما السلام قائلًا لهما ‏{‏أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ‏}‏ أي‏:‏ عن الأكل منها‏.‏ وهذا عتاب من الله لهما وتوبيخ، حيث لم يحذرا ما حذرهما منه‏.‏ وفي الآية الكريمة، إثبات الكلام لله تعالى والنداء منه لآدم وزوجه‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ‏}‏ أي‏:‏ ينادي الله سبحانه هؤلاء المشركين يوم القيامة ‏{‏فَيَقُولُ‏}‏ لهم ‏{‏مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ‏}‏ أي‏:‏ ما كان جوابكم لمن أرسل إليكم من النبيين لما بلغوكم رسالاتي، والشاهد من الآية‏:‏ إثبات الكلام لله، وأنه ينادي يوم القيام‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ‏}‏ الذين أمرت بقتالهم ‏{‏اسْتَجَارَكَ‏}‏ يا محمد، أي‏:‏ طلب جوارك وحمايتك وأمانك ‏{‏فَأَجِرْهُ‏}‏ أي‏:‏ كن له جارًا ومؤمنًا ‏{‏حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللَّهِ‏}‏ منك ويتدبره ويقف على حقيقة ما تدعو إليه‏.‏ والشاهد من الآية‏:‏ أن فيها إثبات الكلام لله تعالى، وأن الذي يتلى هو كلام الله‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ‏}‏ أي‏:‏ اليهود والفريق اسم جمع لا واحد له من لفظه ‏{‏يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللَّه‏}‏ أي‏:‏ التوارة ‏{‏ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ‏}‏ أي‏:‏ يتأولونه على غير تأويله ‏{‏مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ‏}‏ أي‏:‏ فهموه، ومع هذا يخالفونه على بصيرة ‏{‏وَهُمْ يَعْلَمُونَ‏}‏ أنهم مخطئون فيما ذهبوا إليه من تحريفه وتأويله‏.‏ والشاهد من الآية الكريمة‏:‏ أن فيها إثبات الكلام لله تعالى وأن التوراة من كلامه تعالى‏.‏ وأن اليهود حرفوها وغيروا فيها وبدلوا‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ قُل لَّن تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِن قَبْلُ‏}‏ ‏{‏يُرِيدُونَ‏}‏ أي‏:‏ المخلفون من الأعراب الذين اختاروا المقام في أهليهم وشغلهم وتركوا المسير مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين خرج عام الحديبية ‏{‏أَن يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ‏}‏ أي‏:‏ يغيروا كلام الله الذي وعد الله به أهل الحديبية خاصة بغنيمة خيبر ‏{‏قُل لَّن تَتَّبِعُونَا‏}‏ هذا نفي في معنى النهي أي‏:‏ لا تتبعونا ‏{‏كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِن قَبْلُ‏}‏ أي‏:‏ وعد الله أهل الحديبية أن غنيمة خيبر لهم خاصة‏.‏ والشاهد من الآية الكريمة‏:‏ أن فيها إثبات الكلام لله وإثبات القول له وأن الله سبحانه يتكلم ويقول متى شاء إذا شاء، وأنه لا يجوز تبديل كلامه سبحانه بل يجب العمل به واتباعه‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ‏}‏ أمر الله نبيه أن يواظب على تلاوة الكتاب الموحى إليه‏.‏ والوحي‏:‏ هو الإعلام بسرعة وخفاء، وله كيفيات مذكورة في كتب أصول التفسير ‏{‏مِن كِتَابِ رَبِّكَ‏}‏ بيان للذي أوحي إليه ‏{‏لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِه‏}‏ أي‏:‏ لا مغير لها ولا محرف ولا مزيل‏.‏ والشاهد من الآية‏:‏ إثبات الكلمات لله تعالى‏.‏

قوله‏:‏ ‏{‏إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ‏}‏ وهم حملة التوراة والإنجيل ‏{‏أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ‏}‏ كاختلافهم في عيسى، فاليهود افتروا في حقه والنصارى غلوا فيه‏.‏ فجاء القرآن بالقول الوسط الحق أنه عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه‏.‏ والشاهد من الآية الكريمة‏:‏ أن فيها إثبات أن القرآن كلام الله تعالى لما تضمنه من الإحاطة بالكتب السابقة، والحكم في الخلاف بين طوائف أهل الكتاب بالقسط، وهذا لا يكون إلا من عند الله‏.‏

ويستفاد من مجموع الآيات التي ساقها المؤلف‏:‏ إثبات الكلام لله، ومذهب أهل السنة والجماعة إثبات ما دل عليه الكتاب والسنة من أن الله موصوف بالكلام، وكلامه سبحانه من صفاته الذاتية لقيامه به واتصافه به‏.‏ ومن صفاته الفعلية الواقعة بمشيئته وقدرته فيتكلم إذا شاء كيف شاء بما شاء، ولم يزل متكلمًا ولا يزال متكلمًا لأنه لم يزل ولا يزال كاملًا والكلام من صفات الكمال‏.‏ ولأن الله وصف به نفسه ووصفه به رسوله‏.