قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله في شرح العقيدة الواسطية(58-62):
قوله تعالى: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ} أي: لا أحد أصدق منه سبحانه فهو استفهام إنكاري {حَدِيثًا} أي: في حديثه وخبره وأمره ووعده ووعيده وقوله: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا} القيل: مصدر قال كالقول. أي: لا أحد أصدق قولًا من الله ـ عز وجل ـ.
والشاهد من الآيتين الكريمتين أن فيهما إثبات الحديث والقيل لله سبحانه، ففيهما إثبات الكلام له سبحانه.
وقوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ} أي: اذكر {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ} جمهور المفسرين ذهب إلى أن هذا القول منه سبحانه يكون يوم القيامة، وهو توبيخ للذين عبدوا المسيح وأمه من النصارى. وهي كالآيتين السابقتين فيهما إثبات القول لله تعالى وأنه يقول إذ شاء.
وقوله: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا} المراد بالكلمة كلامه سبحانه. وقوله: {صِدْقًا} أي: في إخباره سبحانه {وَعَدْلًا} أي: في أحكامه و {صدقًا، وعدلًا} منصوبان على التمييز، وفي الآية إثبات الكلام لله تعالى.
وقوله: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} هذا تشريف لموسى ـ عليه السلام ـ بأن الله كلمه أي أسمعه كلامه، ولهذا يقال له: الكليم و{تَكْلِيمًا} مصدر مؤكد لدفع كون التكليم مجازًا. ففي الآية إثبات الكلام لله وأنه كلم موسى ـ عليه السلام ـ.
وقوله تعالى: {مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللَّهُ} أي من الرسل عليهم الصلاة والسلام {مَّن كَلَّمَ اللَّهُ} أي: أسمعه كلامه بلا واسطة يعني موسى ومحمدًا عليهما الصلاة والسلام، وكذا آدم كما ورد به الحديث في صحيح ابن حبان. ففي الآية إثبات الكلام لله تعالى وأنه كلم بعض الرسل.
وقوله تعالى: {وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا} أي: حصل مجيئه في الوقت الذي واعده الله فيه {وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} أي: أسمعه كلامه من غير واسطة، فالآيات فيها إثبات الكلام لله وأنه يتكلم متى شاء سبحانه، وأنه كلم موسى ـ عليه السلام ـ بلا واسطة.
وقوله تعالى: {وَنَادَيْنَاهُ} أي: نادى الله تعالى موسى ـ عليه السلام ـ. والنداء هو الصوت المرتفع {مِن جَانِبِ الطُّورِ}: جبل بين مصر ومدين {الأَيْمَنِ} أي: الجانب الأيمن من موسى حين ذهب يبتغي من النار التي رآها جذوة، وليس المراد أيمن الجبل نفسه فإن الجبال لا يمين لها ولا شمال. {وَقَرَّبْنَاهُ} أي: أدنيناه حتى كلمناه {نَجِيًّا} أي: مناجيًا، والمناجاة ضد المناداة. وفي الآية الكريمة إثبات الكلام لله تعالى وأنه ينادي ويناجي، وهما نوعان من الكلام، فالمناداة بصوت مرتفع والمناجاة بصوت غير مرتفع.
وقوله: {وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى} أي: واتل أو اذكر ذلك { وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى } النداء هو الدعاء {أَنِ ائْتِ}: {أَنِ} يجوز أن تكون مفسرة وأن تكون مصدرية، أي: اذهب إلى {الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} وصفهم بالظلم لأنهم جمعوا بين الكفر الذي ظلموا به أنفسهم وبين المعاصي التي ظلموا بها غيرهم كاستعبادهم بني إسرائيل وذبح أبنائهم. وفي الآية الكريمة: إثبات الكلام لله تعالى وأنه ينادي من شاء من عباده ويسمعه كلامه.
وقوله: {وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ} أي: نادى الله تعالى آدم وحواء عليهما السلام قائلًا لهما {أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ} أي: عن الأكل منها. وهذا عتاب من الله لهما وتوبيخ، حيث لم يحذرا ما حذرهما منه. وفي الآية الكريمة، إثبات الكلام لله تعالى والنداء منه لآدم وزوجه.
وقوله تعالى: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ} أي: ينادي الله سبحانه هؤلاء المشركين يوم القيامة {فَيَقُولُ} لهم {مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} أي: ما كان جوابكم لمن أرسل إليكم من النبيين لما بلغوكم رسالاتي، والشاهد من الآية: إثبات الكلام لله، وأنه ينادي يوم القيام.
وقوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ} الذين أمرت بقتالهم {اسْتَجَارَكَ} يا محمد، أي: طلب جوارك وحمايتك وأمانك {فَأَجِرْهُ} أي: كن له جارًا ومؤمنًا {حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللَّهِ} منك ويتدبره ويقف على حقيقة ما تدعو إليه. والشاهد من الآية: أن فيها إثبات الكلام لله تعالى، وأن الذي يتلى هو كلام الله.
وقوله: {وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ} أي: اليهود والفريق اسم جمع لا واحد له من لفظه {يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللَّه} أي: التوارة {ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ} أي: يتأولونه على غير تأويله {مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ} أي: فهموه، ومع هذا يخالفونه على بصيرة {وَهُمْ يَعْلَمُونَ} أنهم مخطئون فيما ذهبوا إليه من تحريفه وتأويله. والشاهد من الآية الكريمة: أن فيها إثبات الكلام لله تعالى وأن التوراة من كلامه تعالى. وأن اليهود حرفوها وغيروا فيها وبدلوا.
وقوله تعالى: {يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ قُل لَّن تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِن قَبْلُ} {يُرِيدُونَ} أي: المخلفون من الأعراب الذين اختاروا المقام في أهليهم وشغلهم وتركوا المسير مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين خرج عام الحديبية {أَن يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ} أي: يغيروا كلام الله الذي وعد الله به أهل الحديبية خاصة بغنيمة خيبر {قُل لَّن تَتَّبِعُونَا} هذا نفي في معنى النهي أي: لا تتبعونا {كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِن قَبْلُ} أي: وعد الله أهل الحديبية أن غنيمة خيبر لهم خاصة. والشاهد من الآية الكريمة: أن فيها إثبات الكلام لله وإثبات القول له وأن الله سبحانه يتكلم ويقول متى شاء إذا شاء، وأنه لا يجوز تبديل كلامه سبحانه بل يجب العمل به واتباعه.
وقوله: {وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ} أمر الله نبيه أن يواظب على تلاوة الكتاب الموحى إليه. والوحي: هو الإعلام بسرعة وخفاء، وله كيفيات مذكورة في كتب أصول التفسير {مِن كِتَابِ رَبِّكَ} بيان للذي أوحي إليه {لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِه} أي: لا مغير لها ولا محرف ولا مزيل. والشاهد من الآية: إثبات الكلمات لله تعالى.
قوله: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ} وهم حملة التوراة والإنجيل {أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} كاختلافهم في عيسى، فاليهود افتروا في حقه والنصارى غلوا فيه. فجاء القرآن بالقول الوسط الحق أنه عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه. والشاهد من الآية الكريمة: أن فيها إثبات أن القرآن كلام الله تعالى لما تضمنه من الإحاطة بالكتب السابقة، والحكم في الخلاف بين طوائف أهل الكتاب بالقسط، وهذا لا يكون إلا من عند الله.
ويستفاد من مجموع الآيات التي ساقها المؤلف: إثبات الكلام لله، ومذهب أهل السنة والجماعة إثبات ما دل عليه الكتاب والسنة من أن الله موصوف بالكلام، وكلامه سبحانه من صفاته الذاتية لقيامه به واتصافه به. ومن صفاته الفعلية الواقعة بمشيئته وقدرته فيتكلم إذا شاء كيف شاء بما شاء، ولم يزل متكلمًا ولا يزال متكلمًا لأنه لم يزل ولا يزال كاملًا والكلام من صفات الكمال. ولأن الله وصف به نفسه ووصفه به رسوله.