قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري(1/11-12):
مدَار الحَدِيث الصَّحِيح على الِاتِّصَال
وإتقان الرِّجَال وَعدم الْعِلَل وَعند
التأمل يظْهر أَن كتاب البُخَارِيّ أتقن
رجَالًا وَأَشد اتِّصَالًا وَبَيَان
ذَلِك من أوجه أَحدهَا أَن الَّذين انْفَرد
البُخَارِيّ بِالْإِخْرَاجِ لَهُم دون
مُسلم أَرْبَعمِائَة وبضع وَثَلَاثُونَ
رجلا الْمُتَكَلّم فِيهِ بالضعف مِنْهُم
ثَمَانُون رجلا وَالَّذين انْفَرد مُسلم
بِالْإِخْرَاجِ لَهُم دون البُخَارِيّ
سِتّمائَة وَعِشْرُونَ رجلا الْمُتَكَلّم
فِيهِ بالضعف مِنْهُم مائَة وَسِتُّونَ
رجلا وَلَا شكّ أَن التَّخْرِيج عَمَّن
لم يتَكَلَّم فِيهِ أصلا أولي من التَّخْرِيج
عَمَّن تكلم فِيهِ وَأَن لم يكن ذَلِك
الْكَلَام قادحا ثَانِيهَا أَن الَّذين
انْفَرد بهم البُخَارِيّ مِمَّن تكلم
فِيهِ لم يكثر من تَخْرِيج أَحَادِيثهم
وَلَيْسَ لوَاحِد مِنْهُم نُسْخَة
كَبِيرَة أخرجهَا كلهَا أَو أَكْثَرهَا
الا تَرْجَمَة عِكْرِمَة عَن بن عَبَّاس
بِخِلَاف مُسلم فَإِنَّهُ أخرج أَكثر
تِلْكَ النّسخ كَأبي الزبير عَن جَابر
وَسُهيْل عَن أَبِيه والْعَلَاء بن عبد
الرَّحْمَن عَن أَبِيه وَحَمَّاد بن
سَلمَة عَن ثَابت وَغير ذَلِك ثَالِثهَا
أَن الَّذين انْفَرد بهم البُخَارِيّ
مِمَّن تكلم فِيهِ أَكْثَرهم من شُيُوخه
الَّذين لَقِيَهُمْ وَجَالسهمْ وَعرف
أَحْوَالهم واطلع على أَحَادِيثهم وميز
جيدها من موهومها بِخِلَاف مُسلم فَإِن
أَكثر من تفرد بتخريج حَدِيثه مِمَّن
تكلم فِيهِ مِمَّن تقدم عَن عصره من
التَّابِعين وَمن بعدهمْ وَلَا شكّ أَن
الْمُحدث أعرف بِحَدِيث شُيُوخه مِمَّن
تقدم مِنْهُم رَابِعهَا أَن البُخَارِيّ
يخرج من أَحَادِيث أهل الطَّبَقَة
الثَّانِيَة انتقاء وَمُسلم يُخرجهَا
أصولا كَمَا تقدم ذَلِك من تَقْرِير
الْحَافِظ أبي بكر الْحَازِمِي فَهَذِهِ
الْأَوْجه الْأَرْبَعَة تتَعَلَّق باتقان
الروَاة وَبَقِي مَا يتَعَلَّق بالاتصال
وَهُوَ الْوَجْه الْخَامِس وَذَلِكَ أَن
مُسلما كَانَ مذْهبه على مَا صرح بِهِ
فِي مُقَدّمَة صَحِيحه وَبَالغ فِي الرَّد
على من خَالفه أَن الْإِسْنَاد المعنعن
لَهُ حكم الِاتِّصَال إِذا تعاصر المعنعن
وَمن عنعن عَنهُ وَأَن لم يثبت اجْتِمَاعهمَا
الا أَن كَانَ المعنعن مدلسا وَالْبُخَارِيّ
لَا يحمل ذَلِك على الِاتِّصَال حَتَّى
يثبت اجْتِمَاعهمَا وَلَو مرّة وَقد أظهر
البُخَارِيّ هَذَا الْمَذْهَب فِي
تَارِيخه وَجرى عَلَيْهِ فِي صَحِيحه
وَأكْثر مِنْهُ حَتَّى أَنه رُبمَا خرج
الحَدِيث الَّذِي لَا تعلق لَهُ بِالْبَابِ
جملَة إِلَّا ليبين سَماع راو من شَيْخه
لكَونه قد أخرج لَهُ قبل ذَلِك شَيْئا
مُعَنْعنًا وسترى ذَلِك وَاضحا فِي اماكنه
إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَهَذَا مِمَّا
ترجح بِهِ كِتَابه لأَنا وَأَن سلمنَا
مَا ذكره مُسلم من الحكم بالاتصال فَلَا
يخفى أَن شَرط البُخَارِيّ أوضح فِي
الِاتِّصَال وَالله أعلم وَأما مَا
يتَعَلَّق بِعَدَمِ الْعلَّة وَهُوَ
الْوَجْه السَّادِس فَإِن الْأَحَادِيث
الَّتِي انتقدت عَلَيْهِمَا بلغت مِائَتي
حَدِيث وَعشرَة أَحَادِيث كَمَا سَيَأْتِي
ذكر ذَلِك مفصلا فِي فصل مُفْرد اخْتصَّ
البُخَارِيّ مِنْهَا بِأَقَلّ من
ثَمَانِينَ وَبَاقِي ذَلِك يخْتَص بِمُسلم
وَلَا شكّ أَن مَا قل الانتقاد فِيهِ أرجح
مِمَّا كثر وَالله أعلم