قال
الله تعالى:
{فَمَنِ
اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا
يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي
فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا
وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
أَعْمَى}
[طه:
123،
124]
.
ولهذا
لا تجد أحدًا أنعم بالا، ولا أشرح صدرًا،
ولا أشد طمأنينة في قلبه من المؤمن أبدًا،
حتى وإن كان فقيرًا، فالمؤمن أشد الناس
انشراحًا، وأشد الناس اطمئنانًا، وأوسع
الناس صدرًا واقرءوا إن شئتم قول الله
تعالى:
{مَنْ
عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى
وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ
حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ
أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا
يَعْمَلُونَ}
[النحل:97]
.
ما
هي الحياة الطيبة؟
الجواب:
الحياة
الطيبة هي انشراح الصدر وطمأنينة القلب،
حتى ولو كان الإنسان في أشد بؤس، فإنه
مطمئن القلب منشرح الصدر، قال النبي صلى
الله عليه وسلم:
"عجبًا
لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذاك
لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته ضراء صبر فكان
خيرًا له وإن أصابته سراء شكر فكان خيرًا
له".
الكافر
إذا أصابته الضراء هل يصبر؟ فالجواب:
لا.
بل
يحزن وتضيق عليه الدنيا، وربما انتحر
وقتل نفسه، ولكن المؤمن يصبر ويجد لذة
الصبر انشراحًا.
بعض
المؤرخين الذين تكلموا عن حياة الحافظ
ابن حجر -
رحمه
الله -
وكان
قاضي قضاة مصر في عهده، وكان إذا جاء إلى
مكان عمله يأتي بعربة تجرها الخيول أو
البغال في موكب، فمر ذات يوم برجل يهودي
في مصر زَيّات -
أي:
يبيع
الزيت -
وعادة
يكون الزيّات وَسِخ الثياب -
فجاء
اليهودي فأوقف الموكب.
وقال
للحافظ ابن حجر -
رحمه
الله -:
إن
نبيكم يقول:
"الدنيا
سجن المؤمن وجنة الكافر".
وأنت
قاضي قضاة مصر، وأنت في هذا الموكب، وفي
هذا النعيم، وأنا -
يعني
نفسه اليهودي في هذا العذاب وهذا الشقاء
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
أنا
فيما أنا فيه من الترف والنعيم يعتبر
بالنسبة إلى نعيم الجنة سجنًا، وأما أنت
بالنسبة للشقاء الذي أنت فيه يعتبر بالنسبة
لعذاب النار جنة.
فقال
اليهودي:
أشهد
أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول
الله.
وأسلم.
فالمؤمن
في خير مهما كان، وهو الذي ربح الدنيا
والآخرة والكافر في شر وهو الذي خسر الدنيا
والآخرة.
قال
الله تعالى:
{وَالْعَصْرِ
إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا
بِالصَّبْرِ}
[العصر:
1- 3] .
فالكفار
والذين أضاعوا دين الله وتاهوا في لذاتهم
وترفهم، فهم وإن بنوا القصور وشيدوها
وازدهرت لهم الدنيا؛ فإنهم في الحقيقة
في جحيم، حتى قال بعض السلف:
لو
يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه
لجالدونا عليه بالسيوف.
أما
المؤمنون فقد نعموا بمناجاة الله وذكره،
وكانوا مع قضاء الله وقدره، فإن أصابتهم
الضراء صبروا، وإن أصابتهم السراء شكروا،
فكانوا في أنعم ما يكون، بخلاف أصحاب
الدنيا فإنهم كما وصفهم الله بقوله:
{فَإِنْ
أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ
لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ
يَسْخَطُونَ}
[التوبة:
الآية
58]
.
العلم للعثيمين (ص36-38)