هذه الجوارح السبع وهي العين والأذن والفم والفرج واليد والرجل: هي مراكب العطب(الهلاك) والنجاة، فمنها عطِب من عطَب بإهمالها وعدم حفظها، ونجا من نجا بحفظها ومراعاتها، فحِفظها أساس كل خير وإهمالها أساس كل شر، قال تعالى: قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم [ النور: 30 ] وقال تعالى: ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا [ الاسراء: 37 ] وقال: ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا [ الاسراء: 36 ] وقال: وقل لعبادي يقولوا التي هى أحسن [ الاسراء: 53 ] وقال: يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا [ الأحزاب: 70 ] وقال: يأيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد [ الحشر: 18 ]
فإذا شارطها على حفظ هذه الجوارح انتقل منها إلى مطالعتها والإشراف عليها ومراقبتها، فلا يهملها، فإنه إن أهملها لحظة رتعت في الخيانة ولا بد، فإن تمادى على الإهمال تمادت في الخيانة حتى يذهب رأس المال كله، فمتى أحس بالنقصان انتقل إلى المحاسبة فحينئذ يتبين له حقيقة الربح والخسران، فإذا أحس بالخسران وتيقنه استدرك منها ما يستدركه الشريك من شريكه: من الرجوع عليه بما مضى والقيام بالحفظ والمراقبة في المستقبل، ولا مطمع له في فسخ عقد الشركة مع هذا الخائن والاستبدال به غيره، فإنه لا بد له منه، فليجتهد في مراقبته ومحاسبته وليحذر من إهماله.
ويعينه على هذه المراقبة والمحاسبة: معرفته أنه كلما اجتهد فيها اليوم استراح منها غدا إذا صار الحساب إلى غيره وكلما أهملها اليوم اشتد عليه الحساب غدا.
ويعينه عليها أيضا: معرفته أن ربح هذه التجارة سكنى الفردوس والنظر إلى وجه الرب سبحانه، وخسارتها: دخول النار والحجاب عن الرب تعالى فإذا تيقن هذا هان عليه الحساب اليوم.
فحق على الحازم المؤمن بالله واليوم الآخر أن لا يغفل عن محاسبة نفسه والتضييق عليها في حركاتها وسكناتها وخطراتها وخطواتها فكل نفس من أنفاس العمر جوهرة نفيسة لا خطْر(شرف) لها يمكن أن يُشترى بها كنز من الكنوز لا يتناهى نعيمه أبد الآباد، فإضاعة هذه الأنفاس أو اشتراء صاحبها بها ما يجلب هلاكه: خسران عظيم لا يسمح بمثله إلا أجهل الناس وأحمقهم وأقلهم عقلا ، وإنما يظهر له حقيقة هذا الخسران يوم التغابن: يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا [ آل عمران: 30 ]