لما كان الشرك أظلم الظلم وأقبح القبائح وأنكر المنكرات، كان أبغض الأشياء إلى الله تعالى وأكرهها له وأشدها مقتا لديه، ورتب عليه من عقوبات الدنيا والآخرة ما لم يرتبه على ذنب سواه، وأخبر أنه لا يغفره وأن أهله نجس ومنعهم من قربان حرمه وحرم ذبائحهم ومناكحتهم وقطع الموالاة بينهم وبين المؤمنين وجعلهم أعداء له سبحانه ولملائكته ورسله وللمؤمنين، وأباح لأهل التوحيد أموالهم ونساءهم وأبناءهم وأن يتخذوهم عبيدا، وهذا لأن الشرك هضم لحق الربوبية وتنقيص لعظمة الإلهية وسوء ظن برب العالمين كما قال تعالى: ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا [ الفتح: 6 ] فلم يجمع على أحد من الوعيد والعقوبة ما جمع على أهل الشرك فإنهم ظنوا به ظن السوء حتى أشركوا به ولو أحسنوا به الظن لوحدوه حق توحيده.
ولهذا أخبر سبحانه عن المشركين أنهم ما قدروه حق قدره في ثلاثة مواضع من كتابه وكيف يقدره حق قدره من جعل له عدلاً ونِدا يحبه ويخافه ويرجوه ويذل له ويخضع له ويهرب من سخطه ويؤثر مرضاته؟!
[(إغاثة اللهفان لابن القيم)]