(من علامات صحة القلب)(٢)
(٢): >> أنه لا يزال يضرب على صاحبه حتى ينيب إلى الله ويخبت إليه ويتعلق به تعلق المحب المضطر إلى محبوبه الذي لا حياة له ولا فلاح ولا نعيم ولا سرور إلا برضاه وقربه والأنس به فبه يطمئن وإليه يسكن وإليه يأوي وبه يفرح وعليه يتوكل وبه يثق وإياه يرجو وله يخاف فذكره: قوته وغذاؤه ومحبته والشوق إليه: حياته ونعيمه ولذته وسروره والالتفاف إلى غيره والتعلق بسواه داؤه والرجوع اليه دواؤه فإذا حصل له ربه سكن إليه واطمأن به وزال ذلك الاضطراب والقلق وانسدت تلك الفاقة فإن في القلب فاقة لا يسدها شيء سوى الله تعالى أبدا وفيه شعث لا يلمه غير الإقبال عليه وفيه مرض لا يشفيه غير الإخلاص له وعبادته وحده فهو دائما يضرب على صاحبه حتى يسكن ويطمئن إلى إلهه ومعبوده فحينئذ يباشر روح الحياة ويذوق طعمها ويصير له حياة أخرى غير حياة الغافلين المعرضين عن هذا الأمر الذي له خلق الخلق ولأجله خلقت الجنة والنار وله أرسلت الرسل ونزلت الكتب ولو لم يكن جزاء إلا نفس وجوده لكفى به جزاء وكفى بفوته حسرة وعقوبة
قال بعض العارفين مساكين أهل الدينا خرجوا من الدنيا وما ذاقوا أطيب ما فيها قيل: وما أطيب ما فيها قال: محبة الله والأنس به والشوق إلى لقائه والتنعم بذكره وطاعته.
وقال آخر: إنه ليمر بي أوقات أقول فيها إن كان أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيش طيب.
وقال آخر: والله ما طابت الدنيا إلا بمحبته وطاعته ولا الجنة إلا برؤيته ومشاهدته.
وقال أبو الحسين الوراق: حياة القلب في ذكر الحي الذي لا يموت والعيش الهني الحياة مع الله تعالى لا غير.
ولهذا كان الفوت عند العارفين بالله أشد عليهم من الموت لأن الفوت انقطاع عن الحق والموت انقطاع عن الخلق فكم بين الانقطاعين.
وقال آخر: من قرت عينه بالله تعالى قرت به كل عين ومن لم تقر عينه بالله تقطع قلبه على الدنيا حسرات.
وقال يحيى بن معاذ: من سر بخدمة الله سرت الأشياء كلها بخدمته ومن قرت عينه بالله قرت عيون كل أحد بالنظر إليه.
[(إغاثة اللهفان)