قال العلامة محمد صالح العثيمين رحمه الله:
في غزوة أحد كان النصر في أول الأمر للنبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه، ولكن حصل منهم معصية واحدة وهي مخالفة الرماة جعلهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، في ثغر من الجبل وقال لهم: «لا تبرحوا مكانكم» لكن القوم لما رأوا أن المسلمين هزموا الكفار ظنوا أن لا رجعة للكافرين فتقدموا يقولون: الغنيمة، الغنيمة فماذا حصل؟ حصل أن استشهد من المؤمنين سبعون رجلا، وجرح الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في وجنته وكسرت رباعيته وأغمي عليه، وحصل ما حصل من التعب والمشقة والجراح ولكن لله تعالى الحكمة في ذلك، ذكرهم الله بهذا في قوله: {حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ}.
أيها الإخوة: إذا كان الأمر كذلك في جند من خير القرون، فإن خير قرون بني آدم: هم الصحابة رضي الله عنهم وحصل أيضا مع خير رسول أرسله الله عز وجل إلى أهل الأرض بمعصية واحدة فما بالكم إذا كانت المعاصي كثيرة؟ إننا إذا أملنا النصر مع كثرة المعاصي فما هي إلا أمنية مبنية على غير حقيقة، لا بد أن نطهر أنفسنا أولا، وأن نرجع إلى الله عز وجل وأن نعمل عملا صالحا حتى نستحق النصر يقول الله سبحانه وتعالى: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} .
فمن الذين ينصرون الله {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ} استقاموا في أنفسهم وحاولوا إقامة غيرهم، أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة، وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، فإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة استقامة لأنفسهم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيها محاولة إصلاح غيرهم، فهل هذا موجود الآن في أكثر الجيوش الإسلامية؟
الجواب نقولها: وهي مُرُّة لكن ما وافق الحقيقة فهو حلو نقول: هذا غير موجود إلا أن يشاء الله.
كيف كانت حال الرسول عليه الصلاة والسلام حينما دخل مكة فاتحا مظفرا منصورا كان عليه الصلاة والسلام خاضعا الرأس يردد قوله تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} يردد كلام الله لا يردد أنشودة ولا أغنية ولم يصحب أحدا يغني معه، فيجب علينا مع الإخلاص أن نستقيم في أمرنا {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} لا بد من الاستقامة ولا يكفي أن نقول: ربي الله ولا أن تؤمن. ولهذا يقدم الله العمل أحيانا على الإيمان {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} . فقدم العمل، وبين أن أساس العمل الإيمان، وقال عز وجل مقدم الإيمان أحيانا {وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} .
المصدر
مجموع فتاوى ورسائل العثيمين