السبت، 25 أبريل 2015

(النوم ليس ناقضاً للوضوء بل هو مظنة لانتقاض الوضوء)

اختلف العلماء في النوم ونقضه للوضوء على مذاهب، ذكرها النووي في شرحه على مسلم، والراجح في ذلك أن النوم ليس حدثا في نفسه وإنما هو مظنة خروج الريح. فإذا كان نوماً كثيراً بحيث لا يشعر النائم بنفسه لو أحدث فهو ناقض للوضوء، وأما إذا كان يسيراً بحيث يشعر بنفسه فلا ينقض الوضوء والله أعلم
قال ابن رشد في بداية المجتهد: وأصل اختلافهم في هذه المسألة اختلاف الآثار الواردة في ذلك، وذلك أن هاهنا أحاديث يوجب ظاهرها أنه ليس في النوم وضوء أصلا، كحديث ابن عباس «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل إلى ميمونة فنام عندها حتى سمعنا غطيطه، ثم صلى ولم يتوضأ» وقوله - عليه الصلاة والسلام -: «إذا نعس أحدكم في الصلاة فليرقد حتى يذهب عنه النوم، فإنه لعله يذهب أن يستغفر ربه فيسب نفسه» وما روي أيضا " أن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كانوا ينامون في المسجد حتى تخفق رءوسهم، ثم يصلون ولا يتوضئون " وكلها آثار ثابتة، وههنا أيضا أحاديث يوجب ظاهرها أن النوم حدث، وأبينها في ذلك حديث صفوان بن عسال، وذلك أنه قال: «كنا في سفر مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فأمرنا أن لا ننزع خفافنا من غائط وبول ونوم، ولا ننزعها إلا من جنابة» فسوى بين البول والغائط والنوم، صححه الترمذي.
وفيها حديث أبي هريرة وهو قوله - عليه الصلاة والسلام -: «إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده قبل أن يدخلها في وضوئه» فإن ظاهره أن النوم يوجب الوضوء قليله وكثيره، وكذلك يدل ظاهر آية الوضوء عند من كان عنده المعنى في قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة} [المائدة: 6] أي إذا قمتم من النوم على ما روي عن زيد بن أسلم وغيره من السلف. فلما تعارضت ظواهر هذه الآثار ذهب العلماء فيها مذهبين: مذهب الترجيح، ومذهب الجمع ; فمن ذهب مذهب الترجيح إما أسقط وجوب الوضوء من النوم أصلاً على ظاهر الأحاديث التي تسقطه وإما أوجبه من قليله وكثيره على ظاهر الأحاديث التي تسقطه أيضا (أعني: على حسب ما ترجح عنده من الأحاديث الموجبة، أو من الأحاديث المسقطة) .
ومن ذهب مذهب الجمع حمل الأحاديث الموجبة للوضوء منه على الكثير، والمسقطة للوضوء على القليل، وهو كما قلنا مذهب الجمهور، والجمع أولى من الترجيح ما أمكن الجمع عند أكثر الأصوليين.ا.هـ
قال العلامة العثيمين رحمه الله في مجموع الفتاوى عند تعداده لنواقض الوضوء: النوم إذا كان كثيراً بحيث لا يشعر النائم لو أحدث ، فأما إذا كان النوم يسيراً يشعر النائم بنفسه لو أحدث فإنه لا ينقض الوضوء ، ولا فرق في ذلك أن يكون نائماً مضطجعاً أو قاعداً معتمداً أو قاعداً غير معتمد ، فالمهم حالة حضور القلب ، فإذا كان بحيث لو أحْدث لأحسَّ بنفسه فإن وضوءه لا ينتقض ، وإن كان في حال لو أحْدث لم يحسّ بنفسه ، فإنه يجب عليه الوضوء ، وذلك لأن النوم نفسه ليس بناقض وإنما مظنة الحدث ، فإذا كان الحدثُ مُنتفياً لكون الإنسان يشعر به لو حصل منه ، فإنه لا ينتقض الوضوء .
وقال الإمام ابن باز رحمه الله في مجموع الفتاوى: النوم ينقض الوضوء إذا كان مستغرقا قد أزال الشعور؛ لما روى الصحابي الجليل صفوان بن عسال المرادي رضي الله عنه قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا مسافرين أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة ولكن من غائط وبول ونوم ) أخرجه النسائي والترمذي واللفظ له ، وصححه ابن خزيمة .
ولما روى معاوية رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( العين وكاء السه(1) ، فإذا نامت العينان استطلق الوكاء ) رواه أحمد والطبراني ، وفي سنده ضعف ، لكن له شواهد تعضده ، كحديث صفوان المذكور ، وبذلك يكون حديثا حسنا ...
أما النعاس فلا ينقض الوضوء ، لأنه لا يذهب معه الشعور ، وبذلك تجتمع الأحاديث الواردة في هذا الباب " .
وبهذا قالت اللجنة الدائمة
_____________________________
(1): (وكاء السه) الوكاء بكسر الواو: الخيط الذي يربط به الخريطة. والسه بفتح السين المهملة وكسر الهاء المخففة: الدبر. والمعنى اليقظة وكاء الدبر أي حافظة ما فيه من الخروج؛ لأنه ما دام مستيقظا أحس بما يخرج منه.(نيل الأوطار)