قوله:
"يَعمد
إِلَى سَيْفِهِ فَيَدُقُّ عَلَى حَدِّهِ"
أَيْ:
فَيَضْرِبُ
عَلَى جَانِبِ سَيْفِهِ الْحَادِّ ("
بِحَجَرِ
")
،
وَالْمَعْنَى:
فَلْيَكْسِرْ
سِلَاحَهُ كَيْلَا يَذْهَبَ بِهِ إِلَى
الْحَرْبِ ("
ثُمَّ
لِيَنْجُ ")
أَيْ:
لِيَفِرَّ
وَيُسْرِعْ هَرَبًا حَتَّى لَا تُصِيبَهُ
الْفِتْنَةُ.
وعن
أبي موسى الأشعري قال:
قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(إن
بين أيديكم فتناً كقطع
الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمناً
ويمسي كافراً، القاعد فيها خير من القائم،
والقائم فيها خير من الماشي، والماشي
فيها خير من الساعي، قالوا:
فما
تأمرنا؟ قال:
كونوا
أحلاس بيوتكم)
رواه
أبو داود وصححه الألباني(4262).
كونوا
أحلاس بيوتكم:
أي
الْزَمُوا بُيُوتَكُمْ كَيْلَا تَقَعُوا
فِي الْفِتْنَة
وفِي
مُسْند أَحْمد 4/
226 بِلَفْظ:
" أوصاني
خليلي أبو القاسمِ صلَّى اللَّهُ عليهِ
وعلى آلِهِ وسلَّمَ إن أدرَكتَ شيئًا من
هذِه الفتَن فاعمد إلى أُحُدٍ فاكسِر بهِ
حدَّ سيفِك ثمَّ اقعد في بيتِكَ.
قال:
فإن
دخلَ عليكَ أحدٌ إلى البيتِ فقم إلى
المخدَعِ فإن دخلَ عليكَ المخدعَ فاجثُ
على رُكبتيكَ وقُل:
بُؤ
بإثمي وإثمِكَ فتَكونَ من أصحابِ النَّارِ
وذلِكَ جزاءُ الظَّالمينَ فقد كسرتُ حدَّ
سيفي وقعدتُ في بيتي".
أَيِ:
افْعَلْ
هَذَا فِي زَمَنِ الْفِتْنَةِ، وَاخْتِلَافِ
النَّاسِ عَلَى التَّأْوِيلِ، وَتَنَازُعِ
سُلْطَانَيْنِ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
يَطْلُبُ الْأَمْرَ، وَيَدَّعِيهِ
لِنَفْسِهِ بِحُجَّةٍ، فَكُنْ حِلْسَ
بَيْتِكَ فِي هَذَا الْوَقْتِ، وَلَا
تَسُلَّ سَيْفًا، وَلَا تَقْتُلْ أَحَدًا،
فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي مَنِ الْمُحِقُّ
مِنَ الْفَرِيقَيْنِ، وَمَنِ الْمُبْطِلُ،
وَاجْعَلْ دَمَكَ دُونَ دِينِكَ.
وأخرج
أبو داود وغيره أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال:
" اجلسْ
في بيتكَ فإن خفتَ أن يبهركَ شعاعُ السيفِ
فغطّ وجهكَ"
وفي
لفظٍ "فكُنْ
كخيرِ ابنيْ آدمَ"
وفي
لفظٍ "فكُنْ
عبدَ اللهَ المقتولَ ولا تكنْ عبد اللهِ
القاتلَ" صححه
الألباني في الإرواء.
وَعَنْ
أَبِي سَعِيدٍ قَالَ:
قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ:
«يُوشِكُ
أَنْ يَكُونَ خيرَ مالِ المسلمِ غنمٌ
يتبع بهَا شعف الْجِبَالِ
وَمَوَاقِعَ الْقَطْرِ يَفِرُّ بِدِينِهِ
مِنَ الْفِتَنِ»
. رَوَاهُ
البُخَارِيّ
قوله:
شعف
الجبال:
أعاليها.
وَمَوَاقِعَ
الْقَطْرِ :
أَيْ:
مَوَاضِعَ
الْمَطَرِ وَآثَارَهُ مِنَ النَّبَاتِ
وَأَوْرَاقَ الشَّجَرِ، يُرِيدُ بِهَا
الْمَرْعَى مِنَ الصَّحْرَاءِ
وَالْجِبَالِ.وهذا
فيه الحث على العزلة أيام الفتن.
وقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ:
«يَتَقَارَبُ
الزَّمَانُ وَيُقْبَضُ الْعِلَمُ
وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ وَيُلْقَى الشُّحُّ
وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ»
قَالُوا:
وَمَا
الْهَرْجُ؟ قَالَ:
«الْقَتْلُ»
. مُتَّفَقٌ
عَلَيْهِ
قوله:
يتقارب
الزَّمَان:
أَي
تفنى بركته فَيصير السّنة كالشهر والشهر
كَالْجُمُعَةِ والجمعة كاليوم واليوم
كالساعة.
وَيُقْبَضُ
الْعِلَمُ:
أي
يَمُوتُ حَمَلَةُ العلم وَيَتَّخِذُ
النَّاسُ جُهَّالًا يَحْكُمُونَ
بِجَهَالَاتِهِمْ فَيُضِلُّونَ
وَيَضِلُّونَ.
وَتَظْهَرُ
الْفِتَنُ:
الْمُرَادُ
كَثْرَتُهَا وَاشْتِهَارُهَا وَعَدَمُ
التَّكَاتُمِ بِهَا.
وَيُلْقَى
الشُّحُّ:
الْمُرَادُ
إِلْقَاؤُهُ فِي قُلُوبِ النَّاسِ عَلَى
اخْتِلَافِ أَحْوَالِهِمْ حَتَّى يَبْخَلَ
الْعَالِمُ بِعِلْمِهِ فَيَتْرُكَ
التَّعْلِيمَ وَالْفَتْوَى وَيَبْخَلَ
الصَّانِعُ بِصِنَاعَتِهِ حَتَّى يَتْرُكَ
تَعْلِيمَ غَيْرِهِ وَيَبْخَلَ الْغَنِيُّ
بِمَالِهِ حَتَّى يَهْلِكَ الْفَقِيرُ.
وَعَنْ
مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ -
رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ -
قَالَ:
قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ -
صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" «الْعِبَادَةُ
فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ»
". رَوَاهُ
مُسْلِمٌ.
أي
ثَوَابُهَا مَعَ الِاسْتِقَامَةِ
وَالِاسْتِدَامَةِ عَلَيْهَا ("
فِي
الْهَرْجِ ")
أَيْ:
زَمَنَ
الْفِتْنَةِ وَوَقْتَ الْمُحَارَبَةِ
بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ ("
كَهَجْرَةٍ
إِلَيَّ ")
أَيْ:
قَبْلَ
فَتْحِ مَكَّةَ ).
وقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ:
«إِنَّمَا
أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي الْأَئِمَّةَ
الْمُضِلِّينَ وَإِذَا وُضِعَ السَّيْفُ
فِي أُمَّتِي لَمْ يُرْفَعْ عَنْهُمْ
إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»
. رَوَاهُ
أَبُو دَاوُد والترمذيُّ وصححه الألباني.
وَعَنِ
الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ قَالَ:
أَتَيْنَا
أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ
مَا نَلْقَى مِنَ الْحَجَّاجِ.
فَقَالَ:
«اصْبِرُوا
فَإِنَّهُ لَا يَأْتِي عَلَيْكُمْ زمَان
إِلَّا الَّذِي بعده أشر منه حَتَّى
تَلْقَوْا رَبَّكُمْ»
. سَمِعْتُهُ
مِنْ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ.
رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ
|