الخميس، 2 يناير 2014

النهي عن سب الريح، لأنّ ذلك يُخل بالتوحيد من حيث إنه ينسِب الأمور إلى غير الله عز وجل

قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله في شرحه لكتاب التوحيد(2/237-238): كلّ ما فيه إضافة الأشياء إلى غيرِ الله عزّ وجلّ فإنّه منهيٌّ عنه، لأنّ الأُمور كلّها بيد الله سبحانه وتعالى، وهو خالقُها ومدبِّرها فتُضاف إليه سبحانه وتعالى ولا تُضاف إلى غيره لا إضافة سبّ ولا إضافة مدح، لأنّ في هذا تنقُّصاً لله عزّ وجلّ وإسناد الأمور إلى غيرِه.
فإذا اعتقد أنّ هذه الأشياء تصنع هذه الأشياء أو تُحدثها؛ فهذا شركٌ أكبر، لأنّه شركٌ في الرّبوبيّة.
وإنْ كان لا يعتقد ذلك، بل يعتقد أنّ الله هو الخالق المدبِّر، وإنّما نسب هذه الأشياء إلى هذه المخلوقات من باب أنّها أسبابٌ فقط: فهذا يكون محرَّماً ويكونُ من الشرك الأصغر، حتى إنّ ابن عبّاس جعل قولَ الرجل: "كانت الريح طيِّبة، وكان الملاّح حاذقاً"، جعل هذا من اتّخاذ الأنداد لله عزّ وجلّ، وفسّر به قولَه تعالى: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}، فرُكّاب السفينة إذا خرجوا من البحر ولم يحصل عليهم مكروه ونسبوا هذا إلى حِذْق الملاّح أو إلى طيب الريح التي وجّهت سفينتَهم فإنّ ذلك من اتّخاذ الأنداد لله عزّ وجلّ، لأنّ الواجب: أن يشكُروا الله عزّ وجلّ، لأنّه هو الذي سخّر الريح وهو الذي سخّر الملاّح وعلّمه ووفّقه، فتُنسب الأشياء إلى مصدرها وهو الله سبحانه وتعالى. هذا هو التّوحيد.
أما نسبة الأشياء إلى غيرِه فهذا شركٌ إمّا أكبر وإمّا أصغر.
والواجب على المسلمين أن يتنبّهوا لذلك، لأنّه يكثُر على الألسنة الآن مدح الأشياء وأنّه بفضلها حصل كذا وكذا، بفضل الطبِّ بفضل كذا وكذا، بفضل تضافُر الجهود، بفضل المجهودات الفلانية حصل كذا وكذا، والله لا يُذكر أبداً، ولا يُثنى عليه في هذه الأُمور، وهذا خطأُ كبيرٌ في العقيدة، ويُخشى على مَنْ قالَه من الشّرك الأكبر، هو لا يسلم من الشرك: إمّا الشرك الأصغر وإمّا الشرك الأكبر.
أو يَنسب الأشياء إلى الظّواهر الطبيعيّة، كما يقولون من نِسبة الأمطار إلى المناخ، أو المنخفض الجوي، أو إلى الرّياح، أو ما أشبه ذلك؛ كلّ هذا من سوء الأدب مع الله سبحانه وتعالى.
نعم؛ الله جعل للأشياء أسباباً، ولكن مَن هو الذي خلق الأسباب ومَن هو الذي سخّرها وأودع فيها الأسرار؟ هو الله سبحانه وتعالى، فالواجب: أن تُسند الأُمور إلى الله عزّ وجلّ، هذه عقيدة المسلم دائماً وأبداً، وهذا هو التّوحيد.
إلاّ الأُمور التي من أفعال الإنسان مثل الطاعات ومثل الكفر والمعاصي والفُسوق والتعدِّي على النّاس؛ فهذه تُنسب إلى المخلوق لأنّها أفعالُه وجنايَتُه، وهو محاسَبٌ عليها، وإنْ كان الله قدّرها سبحانه وتعالى، ولكن الذي فعلها وقام بها المخلوق باختياره وإرادته، فيذمّ عليها، ويعاقَبُ عليها، أو يُثاب عليها إن كانت صالحة، فهي من ناحية القدَر تنسب إلى الله، أمّا من ناحية الفعل فهي تُنسب إلى المخلوق، وهو الذي فعلها وهو الذي قام بها باختياره وإرادته ومشيئَته، وهو يعاقَب أو يُثاب على أفعاله، لا على قدر الله.
 قال رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا تسبّوا الريح" هذا نهي من الرّسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لا تشتموا الرّيح وتذمّوها وتلعنوها، كما كان عليه أهل الجاهليّة أنهم يسبّون الريح إذا جاءت على غير رغبتهم، والواجب أن الإنسان عندما يصيبُه ما يكره: أن يحاسب نفسَه، لأنّه ما أصابه هذا المكروه إلاّ بسببه وبفعلِه، فيحاسب نفسَه ويتوب إلى الله عزّ وجلّ: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} .
فالواجب أنّ الإنسان لا يلوم الرّيح ولا يلوم غيرها وإنّما يلوم نفسَه، بأن يرجع إلى الله ويتوب إلى الله ويعلم أنّ الله ما قدّر عليه هذه المصيبة إلاّ بسبب فعلِه ومعصيته، فيتوب إلى الله عزّ وجلّ ويحاسِب نفسه، ثم ينسب الأشياء إلى الله وأنّ الله هو
الذي قدّرها بسبب فعله عقوبة له وأوجدَها وهو الذي أمرها بذلك، فهي مأمورة مدبّرة: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ} ، فالله جل وعلا هو الذي يُرسل الرّياح: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ} تلقِّح السحاب، {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ} ، {اللهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ} ، فالرّياح إنّما هي بأمر الله سبحانه وتعالى يُرسلها بالخير، ويُرسلها- أيضاً- بالشرّ والعذاب، كما أرسلها على عاد: {وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (41) مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (42) } ، {أَرْسَلْنَا} هو الذي أرسلها، ليست هي التي جاءت وأهلكتْ عاداً، وإنّما الله هو الذي أرسلها، {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (19) تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (20) } ، {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (24) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ} ، كلّ هذا بأمر الله سبحانه وتعالى.