أما الأول : وهو أن كلامه بحرف ، فهو أشهر من أن يذكر ، فكل الكلام الذي ذكره الله عن نفسه نجده بحروف ، فمثلا القرآن الكريم سماه الله تعالى كلاما له ، فقال : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ )(التوبة: الآية 6) ومعلوم أن القرآن حروف ، ثم إن الله يقول : (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ )(المائدة: الآية 116) ، (إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ) (صّ:71)) ،(وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ)(البقرة: الآية 35)، كل هذه المقولات حروف متتابعة وليست متقارنة ، فقوله :( يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ )(آل عمران: الآية 55) ، فعيسى بعد (( يا ) ، وقوله : (( إني متوفيك ) بعد عيسى فهي متتابعة بعضها بعد بعض ، وليست متقارنة ولا يمكن أن تكون متقارنة .
وكذلك فكلام الله بصوت ، لقوله تعالى : (وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً) (مريم:52) فالمناداة بصوت مرتفع ، والمناجاة بصوت منخفض ، وكل ذلك وصف الله به نفسه قال : (وَنَادَيْنَاهُ) وقال : (وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً) فهذه كلها صفة للصوت .
وفي السنة (( يقول الله تعالى : يا آدم ! فيقول : لبيك وسعديك . فينادى بصوت إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثاً إلى النار ))
ثم إن المحاورة التي تقع بين الله وبين رسله تكون بشيء مسموع بلا شك ، فإن موسى عليه الصلاة والسلام لما كان الله يحاوره قال : (وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى) (طـه:17)(قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى) (طـه:18) (قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى) (طـه:19) (فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى) (طـه:20) (قَالَ خُذْهَا وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى) (طـه:21) وموسى صلى الله عليه وسلم كان يسمع هذا ولا يمكن أن يسمع شيئا بلا صوت ، فلابد من صوت . فكلام الله إذا بحرف وصوت .
المصدر
شرح السفارينية(١/١٧٢_١٧٣)