قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله في شرحه لكتاب التوحيد(2/254-255): القدرية
النُّفاة على قسمين -
والعياذ
بالله-:
القسم
الأول:-
وهم
القدماء منهم-
ويسمّون
(غُلاة
القدريّة)
: فإنّهم
يُنكرون علمَ الله، ويقولون:
(إنّ
الله لا يعلم الأشياء قبلَ وقوعِها، إنّما
يعلمها إذا وقعت وحصلت"،
ويُنكرون عِلمَ الله القديم الأزَلي
بالأشياء قبلَ كونِها.
فيكونون
بذلك:
قد
كفروا وخرجوا من الملّة، لأنهم أنكروا
علم الله سبحانه وتعالى، ومن أنكر علم
الله فهو كافر.
القسم
الثاني:
من
يقرّ بعلم الله الأزليّ، لكن يقول:
إنّ
الله لم يقدِّر هذه الأشياء وإنّما النّاس
هم الذين يفعلونها ويستقلّون بإيجادها
وخلقها، كلٌّ يخلق فعل نفسه وهؤلاء أخفّ
من الأوّلين، لكنّهم ضلاّل، لأنّهم أنكروا
خلق الله، وهم متأخِّروا القدرية.
ولذلك
سمّوا (مجوس
هذه الأمة)
،
لأنّ المجوس يقولون:
"إنّ
الكون له خالقَان:
خالق
الخير والشر".
والمعتزلة
الذين يقولون:
"إنّ
الله لم يخلق أفعال العباد، وإنّما هم
الذين خلقوها"،
أثبتوا خالقِيْن كثيرين، وصاروا شرًّا
من المجوس، لأنّ المجوس إنّما أثبتوا
خالقَيْن وهؤلاء أثبتوا خالقِيْن كثيرين.
ولا
يجوز للمسلم أن يدخل في تفاصيل القدر
ويفتح على نفسه باب الشُّكوك والأوهام،
بل يكفيه أن يؤمن بالقدَر كما أخبر الله
سبحانه وتعالى وكما أخبر رسولُه صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنّ كلَّ
شيء بقضاء الله وقدره، ولا يدخل في التفاصيل
والأسئلة:
لماذا
كذا ولماذا كذا، لأنّه لن يصل إلى نتيجة،
لأنّ الأمر كما يقول عبد الله بن عبّاس-
رضي
الله تعالى عنهما-:
"القدر
سِرُّ الله "
سِرٌّ
لا يعلمه إلاّ الله سبحانه وتعالى.
فالواجب
علينا:
أن
نؤمن به، ولا ندخل في تفاصيله، بل نكتفي
بالإيمان به على ما جاء في الدليل من كتاب
الله وسنّة رسوله.
وعلينا
العمل بطاعة الله وامتثال أمره واجتناب
نهيه.
هذا
الذي كلّفنا به، ولم نكلّف بالبحث عن
القدر، ولا نترك العمل ونقول:
ما
قُدّر لنا فسيحصل.
لذلك
لَمّا أخبر النّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أنّ كلّ أحد مقرّرٌ مكانه من
الجنّة أو من النّار قالوا:
يا
رسول الله إلاَ نتكل على كتابنا؟، قال
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"اعملوا
فكلّ ميسّر لِمَا خُلِق له"،
وأنزل الله تعالى:
{فَأَمَّا
مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5)
وَصَدَّقَ
بِالْحُسْنَى (6)
فَسَنُيَسِّرُهُ
لِلْيُسْرَى (7)
وَأَمَّا
مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8)
وَكَذَّبَ
بِالْحُسْنَى (9)
فَسَنُيَسِّرُهُ
لِلْعُسْرَى (10)
} .
فأنت
المطلوب منك:
العمل
والإيمان بالقضاء والقدر، وأنت قادرٌ
على العمل، وممكّنٌ من العمل، فعليك أن
تعمَل الخير وتترك الشّر، وتتوب من
السيّئات وتكثر من الحسنات، هذا المطلوب
منك، أمّا البحث في هذه الأمور التي لا
يعلمها إلاّ الله سبحانه وتعالى والدّخول
في هذه المخاصمات فهذا يؤدِّي إلى الضّلال
ويؤدِّي إلى التِّيه، لأنّ الله سبحانه
وتعالى لم يطلُب منّا هذه الأشياء، وإنّما
أمرنا بالعمل، هذا الذي أمرنا الله به،
أمرنا بالإيمان وأمرنا بالعمل، هذا
المطلوب من المسلم.