((عن شعبة)): شعبة بن الحجاج بن الورد العَتَكي الأزدي أبو بسطام الواسطي البصري، ثقة ثبت إمام كبير حافظ، علم من أعلام أهل الحديث ومن رجال الجرح والتعديل، أخرج له البخاري ومسلم.
لاحظوا الإمام أحمد إيش قال، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، إذاً عندنا الآن نحن نمشي في معرفة الرجال وأحوالهم وفي نفس الوقت نركز على السماعات، معرفة الرجل من هو، ومعرفة حاله، ومعرفة هل أخرج له البخاري ومسلم أم لا، والأمر الرابع:هل سمع فلان من فلان أم لا.
هذه أربع أمور ركز عليها الآن تتعلق بالإسناد، نحن نركز الآن على شرط الاتصال وشرط العدالة والضبط.
هذه كلها الأربع تتعلق بهذه الشروط الثلاث.
((قال الإمام أحمد رحمه الله: ثنا يحيى بن سعيد)): إذاً الإمام أحمد سمع من يحيى بن سعيد لا إشكال، الإسناد إليه صحيح ما في إشكال.
((يحيى بن سعيد عن شعبة)): رواية يحيى بن سعيد عن شعبة في الصحيحين موجودة وإذا كانت في الصحيحين فلا إشكال إذاً في سماع يحيى بن سعيد من شعبة، لماذا؟ لأن البخاري شرطه اللقي، ومسلم شرطه المعاصرة مع إمكان اللقي وبما أن البخاري قد أخرج رواية يحيى بن سعيد عن شعبة إذاً فيحيى بن سعيد قد سمع من شعبة لا شك في ذلك.
قال: ((حدثني معاوية بن قرة)): إذاً هنا شعبة يصرح بالتحديث، لا إشكال إذاً في سماع شعبة من معاوية بن قرة، لكن من هو معاوية بن قرة؟
هو معاوية بن قرة بن إياس بن هلال بن رئاب المزني أبو إياس البصري والد إياس بن معاوية تابعي روى عن جماعة من الصحابة وهو ثقة أخرج له البخاري ومسلم. ورواية شعبة عن معاوية في الصحيحين أيضا.
((عن أبيه)): والد معاوية هو قرة بن إياس بن هلال بن رئاب المزني أبو معاوية. قال الإمام البخاري وابن السكن: له صحبة.
والد معاوية قرة بن إياس، هذا من رجال الأربعة، لم يخرج له لا البخاري ولا مسلم، أخرج له البخاري في "الأدب المفرد" ليس في "الصحيح"، وأخرج له الأربعة: أبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه، صحبته ثابتة بأسانيد صحيحة، فهو صحابي، صحبته ثابتة بأسانيد صحيحة يذكر فيها أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم ويذكر فيها حادثة حصلت وهو في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فلقي النبي صلى الله عليه وسلم وهو مميِّز كما ثبت ذلك في الأحاديث الصحيحة، والصحابي إذا أدرك النبي صلى الله عليه وسلم مميزاً فروايته محمولة على السماع، حتى وإن أرسل ففي الغالب إرساله عن الصحابة، فمراسيل صغار الصحابة مقبولة إذا كانوا قد أدركوا النبي صلى الله عليه وسلم في سن التمييز وهذا التحقيق في المسألة هذه، وهذا الصحابي قرة بن إياس أدرك النبي صلى الله عليه وسلم في سن التمييز، إذاً روايته عن النبي صلى الله عليه وسلم متصلة، هذا الأصل.
حاول البعض متعنتاً أن يضعف هذا الحديث بهذا الأمر وهو أن قرة بن إياس لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم فجعله مرسلاً، وبماذا تعلق؟ تعلق بقول ابنه (معاوية بن قرة): لا أدري أسمع أبي من النبي صلى الله عليه وسلم أم لم يسمع، وتكلف جداً حقيقة في رد بعض الأخبار التي أثبتت صحبة قرة، بتعنت، يعني شعرت أنا عندما قرأت كلامه أنه رجل قد تبنى فكرة وأراد أن يثبتها، يعني اعتقد ثم أراد أن يثبت ما اعتقده، وليس هكذا العلم ولا هكذا الدين، تعنت شديد، صحبته واضحة ما فيها أي خلل وفي سن التمييز فهو محمول عند أهل العلم على السماع، ولا يؤثر أبداً شك ابنه فالشك ليس بعلم فلا يبنى عليه شيء، لا، هو جعل الشك علماً وقرر عليه المسألة، من قرأ كلامه يتبين له بوضوح أن الرجل يقول لك: أريد أن أضعف الحديث بأي طريقة. أثبت الإمام البخاري رحمه الله صحبته وأبو حاتم الرازي وابن السكن وغيرهم من العلماء والروايات بأسانيد صحيحة عنه تثبت صحبته للنبي صلى الله عليه وسلم في سن التمييز، فالإسناد كما ترون صحيح لا غبار عليه ومعاوية سمع من أبيه .
قال الشيخ رحمه الله: ((هذا حديث صحيح قد أخرجه الترمذي. وقال الإمام أحمد رحمه الله: ثنا يزيد أنا شعبة به)) هذه متابعة، متابعة تامة ليحيى بن سعيد، فيزيد هذا قد تابع يحيى بن سعيد في روايته عن شعبة. الآن ظاهر ما ذكره الشيخ رحمه الله في هذا الإسناد أن مدار الحديث على شعبة، ورواه عن شعبة راويان: يحيى بن سعيد ويزيد، من يزيد هذا؟ هو يزيد بن هارون بن زاذان السلمي مولاهم أبو خالد الواسطي ثقة حافظ متقن عابد. فهنا صار عندنا يزيد ويحيى بن سعيد يرويانه عن شعبة، لكن في الحقيقة شعبة لم يتفرد به عن معاوية، تابعه عليه إياس بن معاوية فرواه عن أبيه. أخرجه أبو نعيم في الحلية وقال: مشهور من حديث إياس، غريب من حديث مسعر، مسعر يرويه عن إياس فقالوا هو مشهور عن إياس لكنه غريب من حديث مسعر. والعجيب أنك تجد هذا الكاتب الذي كتب وضعف هذا الحديث أنه يرد كلام هذا الحافظ الذي ذكر أن الحديث مشهور عن إياس، يرد هذه الشهرة بفلسفة لأنه ما وجد الحديث عن إياس من غير رواية مسعر أو لم تتحقق عنده هذه الشهرة.
أوردها سعد وسعد مشتمل ... ما هكذا يا سعد تورد الإبل
هذا حافظ وعندما يقول لك هذا الحديث مشهور عن إياس، أنت تقول له: أنت صاحب الحفظ وصاحب العلم ، نحن نعلم ونجهل وقد فاتتنا كثير من الكتب لم تصلنا أصلاً، ما أدراك أن هذه الطرق موجودة في مسند بقي بن مخلد؟ وهذا لم نطلع عليه نحن حتى أو في غيره من المسانيد التي فقدت، هذا حافظ إذا قال لك: هو مشهور عن إياس فخلاص تقول له: هو مشهور عن إياس، انتهينا. مقارعة الحفاظ بجهلنا مصيبة. العلم بارك الله فيكم يحكم على الجهل وليس العكس
قال: مشهور من طريق إياس غريب من حديث مسعر.
وأيضاً له متابعة أخرى تابعه صدقة بن المنتصر أبو شعبة الشعباني عند الفسوي في المعرفة والتاريخ وابن حبان في الثقات ولكن الإسماعيلي في معجم أسامي شيوخه ومن طريقه الخطيب البغدادي في تاريخه رواه عن صدقة بن المنتصر عن شعبة عن معاوية فأدخل شعبة بين صدقة ومعاوية فالله أعلم، على كلٍّ هذه الطريق لا تصح.
وقد ادعى ابن عساكر في تاريخه أن شعبة تفرد به بعد أن ساق له عدة طرق وهو مردود بكلام أبي نعيم المتقدم، وعلى كل حال فالحديث صحيح لا غبار عليه، ولشطره الأول وهو قوله: "إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم" له شاهد من حديث ابن عمرو عند ابن عساكر وعند غيره، لكنه حديث منكر وهي شهادة لا يُفرح بها، خرَّجه الشيخ الألباني في الضعيفة رقم(6385) وتحدث عن هذا الشاهد هناك.
وأما شطره الثاني وهو قوله: "لن تزال طائفة من أمتي منصورين" له شواهد كثيرة هذا، منها ما هو في الصحيحين من حديث المغيرة بن شعبة ومن حديث جابر بن عبد الله ومن حديث ثوبان ومن حديث معاوية، بل قال ابن تيمية رحمه الله في الاقتضاء وغيره إنه متواتر، فحديث قرة صححه الترمذي وابن حبان والألباني رحمهم الله والله أعلم.
بقي معنا متن الحديث
قال: ((إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم))، معنى الفساد هو ضد الصلاح، والمقصود بالفساد إذا ذكر في الكتاب والسنة: الفساد في الدين: ارتكاب الشرك بأنواعه، ارتكاب البدع بأنواعها، ارتكاب المعاصي بأنواعها، فإذا كثرت وانتشرت وتفشت في المجتمع يسمى المجتمع فاسداً.
"إذا فسد أهل الشام": أهل الشام يعني سكان الشام الذين يسكنون الشام، ما هي الشام؟
الشام: الأردن كلها، فلسطين كلها، لبنان كلها، سورية بعضها من الشام وبعضها من الجزيرة، من النهر إلى البحر الأبيض المتوسط هذه الأرض كلها من الشام، من النهر إلى البحر، وما بين النهرين دجلة والفرات هذه تسمى الجزيرة، فإذاً من النهر إلى البحر هذه من الشام، وتذهب شمالاً إلى جنوب تركيا، من النهر إلى البحر هذا كله من الشام حتى في جنوب تركيا في أضنة لواء الإسكندرونة هذه كلها من الشام، هي من تركيا اليوم لكنها من الشام. هذه حدود بلاد الشام .
أرض سيناء كانت تسمى قديماً أرض التيه، هذه ليست من الشام ولا هي من مصر، هذه كانت تسمى أرض التيه،
يهمنا أرض الشام الآن، سكان الشام يسمون أهل الشام، قال عليه الصلاة والسلام: "إذا فسد أهل الشام" يعني إذا انتشر الشرك والبدع والمعاصي بين سكان الشام "فلا خير فيكم"، الكلام في أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فلا خير فيكم، النبي صلى الله عليه وسلم يخاطب أمته، والنبي صلى الله عليه وسلم يكلم الصحابة لكن هكذا طريقته عليه الصلاة والسلام إذا أراد أن يخاطب الأمة خاطب الصحابة، فلا يأتينا جاهل ويقول: النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ولكنكم يومئذ غثاء كغثاء السيل" يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة، هذا جهل، هذه الغثائية حصلت الآن متأخراً تكالبت الأمم على أمة محمد متى؟ في عهد الصحابة؟ لا، في العصور المتأخرة، فالخطاب إذاً لأمة محمد صلى الله عليه وسلم وليس خاصاً بالصحابة رضي الله عنهم، إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم، متى فسد أهل الشام؟ لما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث ما كان هناك أهل شام أصلاً من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، لذلك سيأتينا أن هذا من دلائل نبوة النبي صلى الله عليه وسلم، إذا فسد أهل الشام أي بعد أن يسلم أهل الشام ويصلحون ثم يفسدون عندئذ لا خير فيكم، ومتى حصل هذا؟ حصل الآن في العصور المتأخرة فساد أهل الشام، ما كانوا على هذا الحال، في العصور المتأخرة حصل الفساد انتشر الشرك وانتشرت البدع وانتشرت المعاصي بشكل عظيم، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم فساد أهل الشام علامة على انتفاء الخيرية من الأمة. هذا يدل على أن أهل الشام آخر الناس يفسدون. وهذا ما حصل كما أخبر عليه الصلاة والسلام
"فلا خير فيكم": انتفاء الخيرية هنا عام مخصوص، مخصوص بما بعده، لا يمكن أن ينتهي الخير من أمة محمد كلها صلى الله عيه وسلم، لا يمكن لماذا؟ لأنه عليه الصلاة والسلام قال: "ولن تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة" إذاً هناك طائفة لا بد أن تبقى على الخيرية، ففي الأول عموم مخصوص بما بعده.
فقال:"ولن تزال" يعني ستبقى على طول موجودة، "طائفة" يعني جماعة، "من أمتي" يعني من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، أمة الإجابة لا أمة الدعوة، هما أمتان: أمة الدعوة: كل من دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام، وأمة الإجابة هم من أجابوا إلى الإسلام ودخلوا فيه، هنا المقصود أمة الإجابة.
"ولن تزال طائفة": يعني جماعة، "من أمتي منصورين": هم في حرب، هم في حرب مع أهل الباطل _على طول_ لكنهم منصورون من الله تبارك وتعالى، هذه الحرب حرب بالعلم كما سيأتي من تفسير الإمام البخاري رحمه الله أنه قال: هم أهل العلم، فالنصر يكون بالحجة وبعلو كلمتهم على كلمة عدوهم، لأن العلم هذا، مقارعة أهل الباطل به جهاد (وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا) لكن سمى الله سبحانه وتعالى مقارعة المنافقين بالقرآن جهاداً، فهو جهاد اللسان، جهاد القلم، والنصرة من الله تبارك وتعالى في ذلك، أنت تتعلم وتعلِّم الشريعة الصحيحة، تعلِّم السنة وتعلِّم البدعة كي يحذرها الناس، تعلّم التوحيد وتعلّم الشرك كي يحذره الناس، ترد على أهل الباطل شبهاتهم، هذا كله جهاد في سبيل الله، بل والله إنه أعظم الجهادين، فالشريعة لا تقوم إلا بهذا ولا تُحفظ إلا بهذا، إذا بقي أهل العلم بقي الدين، لاحظ قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً من صدور العلماء ولكن يقبض العلم بقبض العلماء" فهما أمران متلازمان إذا بقي العلماء بقي العلم وإذا انتفى العلماء انتفى العلم، إذاً ذهب الدين. هذه مكانة العالم مكانة عظيمة يأخذ دور الأنبياء، الأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً ولكن ورثوا العلم، وتعجب من الناس كيف يزهدون في هذا، والله خيري الدنيا والآخرة في هذا، لكن يحتاج إلى صبر، يحتاج إلى صبر، متى صبرت ودعوت الله سبحانه وتعالى أن يجعلك من جنوده لقيت أثر ذلك، لكن مع الإخلاص، هذا أمر مهم.
"ولن تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم" لا يضرهم من خذلهم، وفي رواية أخرى: "لا يضرهم من خالفهم أو خذلهم" طائفتان: طائفة تخالف وتحارب لا يضرونه والنصر لأهل الإيمان ولأهل العلم، "ولا من خذلهم" من ترك نصرتهم، لم ينصرهم تركهم هذا معنى الخذلان، لا يضرهم من خذلهم إلى قيام الساعة.
من هم الطائفة المنصورة؟
هم أهل الحديث كما قال الإمام أحمد وذكره الشيخ رحمه الله وقاله الإمام البخاري أيضاً ليس في صحيحه بل في "خلق أفعال العباد" فقال: هم أصحاب الحديث، وأما في صحيحه فقال: هم أهل العلم، والسلف على هذا التفسير، جميعاً، الذي ورد عنهم تفسير هذا الكلام فسروه بهذا فقالوا: هم أهل الحديث، ذكر ذلك يزيد بن هارون وعبد الله بن المبارك وعلي بن المديني وأحمد بن حنبل والبخاري وغيرهم قالوا: هم أهل الحديث، ذكرهم الخطيب البغدادي في "شرف أصحاب الحديث"، البخاري قال: هم أهل العلم في صحيحه وفي "خلق أفعال العباد" قال: هم أهل الحديث. لا تَعارض بين القولين، فالمقصود بأهل الحديث هم الذين يعتقدون عقيدة السلف الصالح رضي الله عنهم وينتهجون نهجهم، فهم الذين كانوا يشتغلون بالحديث، هؤلاء بهذه الصفات، لذلك الإمام البخاري رحمه الله في "خلق أفعال العباد" قال: هم أهل الحديث ثم ذكر أئمة أهل الحديث الذين يتصفون بعقيدة واحدة وهي عقيدة السلف الصالح رضي الله عنهم، ومنهج واحد كلهم على طريق واحد ويشتغلون جميعاً بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم تعلماً وتعليماً وحفظاً وجرحاً وتعديلاً وتعليلاً وتصحيحاً، هذولا هم أهل الحديث، وأهل العلم منهم، هم رؤوسهم فهم أصل هذه الطائفة فلا تقوم ولا توجد إلا بهم، لكنها غير مختصة بهم بل كل من كان على طريقهم ومجتمعاً معهم على هذا الطريق فهو منهم من ضمن هذه الطائفة.
وجاء في رواية عن معاذ أنه قال: "وهم بالشام" لا يعني ذلك أنهم محصورون في الشام، لا، ولكن يعني ذلك أن الشام لا تفرغ منهم أبدا هذا المعنى "وهم بالشام". تجدهم في بلاد أخرى، يوجدون في بلاد وينقرضون من بلاد لكن في الشام لا ينقرضون أبداً. هذا المعنى، وهذا تفسير الصحابي وهو أدرى بما روى، الصحابي إذا فسر شيئاً هو أدرى بمعنى الحديث الذي فسره لأنه هو أعلم كيف قاله النبي صلى الله عليه وسلم ومتى قاله وما هو سبب قوله...الخ
ففي رواية في صحيح مسلم عن سعد بن أبي وقاص قال: "لا يزال أهل الغرب" والمراد بأهل الغرب أهل الشام لذلك فسرها الصحابي معاذ بأهل الشام، وهذا القول هو قول الإمام أحمد وقول ابن تيمية رحمه الله.
هذا معنى الحديث
بقيت نقطة أخيرة وهي قوله: "حتى تقوم الساعة" أي إلى قيام الساعة
هذا لا بد له من تأويل ولا يحمل على ظاهره، لماذا؟ لأنه جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "في آخر الزمان تأتي ريح طيبة فتأخذ نفس كل مؤمن ويبقى فيها شرار الناس عليهم تقوم الساعة" وهذا حديث صحيح، فكيف نجمع بينه وبين قوله هنا: "إلى قيام الساعة"؟
نجمع بينهما بأن نقول: هنا المراد: إلى قرب قيام الساعة أي إلى أن تأتي تلك الريح الطيبة وتأخذ أنفاسهم جميعاً وبهذا تجتمع الأدلة.
هذا الحديث فيه دلائل على نبوة النبي صلى الله عليه وسلم:
أما الدليل الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم تحدث بهذا الحديث في وقت كان أهل الشام كفارا، ففيه إشارة إلى أنهم سيدخلون في دين الله ويصلحون بعد فسادهم ثم بعد ذلك يحصل الفساد، وحصل ما أخبر به عليه الصلاة والسلام تماماً، وهذا أمر غيبي، وغيبي حصل بعد مدة طويلة من موت النبي صلى عليه وسلم لا يمكن لإنسان أن يعرف هذه الحقائق إلا بوحي من الله.
الدليل الثاني: إخبار النبي صلى الله عليه وسلم أن أمته ستفسد بعد صلاحها وسيكون آخر الناس فساداً أهل الشام، وقد وقع كما أخبر عليه الصلاة والسلام تماما،ً صلحت هذه الأمة وبقيت في صلاحها إلى أن فسدت.
الدليل الثالث: إخباره صلى الله عليه وسلم أن دين الله الذي أتى به سيبقى قائماً بقيام الطائفة المنصورة به وبالحفاظ عليه وبالذب عنه وتنقيته من شوائب الشرك والبدع، وهذا هو الواقع، ففي وقت صلاح الناس كان الدين قوياً منيعاً عند أكثرهم، وبعد فسادهم وكثرة أهل الشقاق والبدع بينهم بقي فيهم طائفة تدافع عن دين الله وتذب عنه وتصفي الشوائب التي تعلق به، ولا أعلم حقيقة طائفة تقوم بواجب تصفية الدين من الشرك والبدع والخرافات وآراء الرجال البعيدة عن الكتاب والسنة ونصح المسلمين بالتمسك بهما وما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ومن اتبعهم بإحسان والبعد عن الحزبية وتفريق الأمة كالعلماء وطلبة العلم الذين هم على منهج أهل الحديث وعقيدتهم وعلى منهج السلف الصالح رضي الله عنهم وعلى رأسهم نبينا صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام.
ومراد شيخنا رحمه الله من ذكر هذا الحديث في هذا الباب بيان فضيلة أهل العلم من أهل السنة والجماعة على غيرهم من الناس إذ إنهم هم أصل الطائفة المنصورة التي بشر بها النبي صلى الله عليه وسلم فأي فضل خير من التمسك بالدين والحفاظ عليه والقيام بعمل الأنبياء؟ هذا فضل عظيم.
فهذه مناسبة وضع الحديث في هذا الباب كما بيَّن الشيخ رحمه الله أو أشار إليه في آخر كلامه
وبهذا نكون قد انتهينا من شرح الحديث الأول، وعلى هذه الطريقة سنمضي بإذن الله تعالى
والحمد لله ونكتفي بهذا القدر وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك