الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله،أما بعد:
فهذا هو الدرس الأول من دروس الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين لشيخنا أبي عبد الرحمن مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله
أجَّلنا دراسة هذا الكتاب إلى هذا الوقت لكي تتمكنوا في الأوقات الماضية من دراسة العلوم التي يحتاجها طالب العلم كي يفهم مادة هذا الكتاب فهماً جيداً، يعني كل من يحضر يفهم ويستفيد بعض الفائدة، لكنها ليست الفائدة التامة التي ينبغي أن تحصل عند دراسة هذا الكتاب، فإذا كان طالب العلم قد تأصل في المصطلح، في اللغة، في أصول الفقه، في الفقه، في العقيدة، ما سيأتيه من مسائل في هذا الكتاب ستكون سهلة عليه إذ إننا لن نرجع إلى الخلف ونشرح أصولاً ينبغي على طالب العلم أن يكون مدركاً لها، بل سنشرح الآن على مستوى طلبة علم عندهم أصول. فهذا الكتاب الآن في الشريعة بشكل عام، آلاف الأحاديث التي بين أيدينا تدلنا على مسائل الشرع، لذلك أخَّرنا هذا الكتاب إلى هذا الوقت لن نستعجل في دراسته سنمشي شيئاً شيئا، قليلاً قليلا، لا يهمنا أن ننتهي منه، المهم هو أن يتمكن الطالب من معرفة كيفية فهم هذا الكتاب وكيف يتعامل مع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم رواية ودراية.
لماذا اخترنا هذا الكتاب دون غيره؟
عادةً كثير من أهل العلم يهتمون بالبخاري ومسلم، الشروح عليهما كثيرة والاهتمام بهما كبير، وهذا واجب الكتابين لمكانتهما، ولما كثرت الشروح في ذينك الكتابين وهذا الكتاب لم يحض بشرح وافٍ وأعتبره أنا أصح كتاب بعد البخاري ومسلم وسترون السبب، ما بنا الحمد لله تعصب ولا شيء، ليس لأن شيخنا هو من ألفه لا، ولكن للشيخ مقبل شرط شديد فيه ووفى بشرطه فلذلك حاز هذه المكانة، سترون ذلك عند الدراسة، نحن لا نتعصب لأحد، نحب شيخنا ونعظمه ونبجله ونحترمه وله علينا فضل كبير لو دعونا له في كل سجدة من سجودنا ما وفيناه حقه حقيقة، لأن هذا الفضل الذي تفضل الله به علينا هو من الله تبارك وتعالى فضلٌ وشيخنا رحمه الله كان سبباً في هذا الفضل، مع مكانته رحمه الله في نفسي إلا أنني لا أتعصب لأحد وسندرس هذا الكتاب كما ذكرت لأنه لم يحظ بشرح وافٍ ووفاء لحق شيخي رحمه الله. فمدارسة كتابه وانتفاع الطلبة منه يزيد الأجر للشيخ رحمه الله
وسندرس إن شاء الله هذا الكتاب دراسة نقد، يعني سننظر في الأحاديث التي وضعها الشيخ رحمه الله في هذا الكتاب هل هي صحيحة كما ذكر الشيخ أم لا. هذه طريقتنا إن شاء الله ستكون في شرح هذا الكتاب والشرح لن يكون مطولاً ولن يكون مختصراً جداً سنوفيه حقه إن شاء الله .
شيخنا مقبل مؤلف الكتاب هو مقبل بن هادي بن مقبل الهمداني الوادعي الخِلالي من قبيلة آل راشد وقبيلة وادعة من بلاد اليمن والكثير منهم يسكن دماج، قرية من قرى صعدة شمال اليمن. ولد الشيخ رحمه الله تقريباً سنة ست وخمسين وثلاث مائة وألف(1356) وتوفي سنة اثنتين وعشرين وأربع مائة وألف(1422) يعني لم يصل إلى السبعين من عمره. طلب العلم تقريباً وهو في الخامسة والثلاثين ودرس على مجموعة من العلماء من الحجاز واليمن ومصر ونجد والصومال والهند والباكستان والسعودية وغيرها من بلاد الله سبحانه وتعالى ، واجه صعوبة في بداية الطلب لكنه طلب العلم وفتح الله سبحانه وتعالى عليه في العلوم وكان متميزاً في علم الحديث معروفاً به قد فتح الله سبحانه وتعالى عليه في هذا العلم وكان بحق محدثاً نابغة في هذا المجال، له عدة مؤلفات كثيرة في علم الحديث أنفسها حقيقة هذا الكتاب الذي بين أيدينا وهو "الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين" ونتيجة عمل الشيخ رحمه الله في هذا الكتاب أنتج كتاباً آخر وهو أحاديث معلة ظاهرها الصحة فكان الشيخ رحمه الله يجمع الأحاديث الصحيحة في هذا الكتاب فما ظن أنه صحيح ثم تبينت له بعد ذلك فيه علة أفرده في ذاك الكتاب وهو "أحاديث معلة ظاهرها الصحة".
في البداية بدأ الشيخ في تأليف كتاب الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين، وفكرة الكتاب من حيث الأحاديث نفس فكرة الجامع الصحيح هذا فبدأ بداية بكتاب الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين ورتبه على طريقة المسانيد بترتيب الصحابة وأفرد أحاديث كل صحابي على حدة، لكن رأى الشيخ رحمه الله أن هذه الطريقة ينتفع بها خاصة الطلبة من أهل الحديث ولا يكون النفع عاماً فغيَّر إلى هذه الطريق التي هي طريقة السنن أي جعل الكتاب مرتباً على الأبواب الفقهية،
فالجامع عند أهل الحديث هو كتاب يجمع فيه صاحبه أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في أمور الإسلام عامة، لا تختص في باب دون باب ويرتّب الكتاب على الأبواب الفقهية، يعني تقريباً الجامع هو نفس السنن، البعض يفرق بينهما بأن السنن خاصة بأحاديث الأحكام والجامع عام لكن هذا لا يظهر من السنن المؤلفة والموجودة فيها أحاديث الإسلام عامة وليست خاصة بأحاديث الأحكام، لكنها مرتبة على الأبواب الفقهية.
فالجامع الصحيح سمي جامعاً لأنه قد جمع الأحاديث التي هي في شريعة الله سبحانه وتعالى ولا تختص في جانب دون جانب، والصحيح لأن الشيخ رحمه الله قد اشترط في هذا الكتاب أن يكون صحيحاً.
شرط الشيخ في هذا الكتاب أن يكون صحيحاً كما ذكرنا ومن هنا يأتينا سبب تأليف الشيخ في هذا الكتاب. الشيخ رحمه الله سمع بعض أهل الحديث يقول: الأحاديث الصحيحة خارج الصحيحين قليل.
تعلمون أنتم من خلال ما درستم في علم المصطلح أن العلماء في هذا على ثلاثة مذاهب:
المذهب الأول أن البخاري ومسلماً استوعبا الأحاديث الصحيحة.
المذهب الثاني وهو الذي قرره ابن الأخرم أنه يوجد أحاديث صحيحة خارج الصحيحين لكنها قليلة.
المذهب الثالث وهو ما ذهب إليه ابن الصلاح وغيره الأحاديث الصحيحة خارج الصحيحين كثيرة.
فسمع الشيخ رحمه الله أحد أهل الحديث يقول: الأحاديث الصحيحة خارج الصحيحين قليلة(على مذهب ابن الأخرم) فلذلك عزم رحمه الله على تأليف هذا الكتاب، وشرطه فيه أن لا يضع فيه حديثاً إلا صحيحاً بشرط أن لا يكون هذا الحديث موجوداً في البخاري أو في مسلم، وهو لم يشغل نفسه بالأحاديث الحسنة لغيرها إنما اعتنى بتخريج الحديث الصحيح لذاته أو الصحيح لغيره أو الحسن لذاته، تجده كله في هذا الكتاب، أما الأحاديث التي تحتاج إلى عمل وبحث وجمع طرق فهذه لم يضعها في هذا الكتاب لأنها كانت تحتاج إلى وقت كما نبه على ذلك في مقدمة الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين.
فهذا الكتاب سماه "الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين" فاسمه يدل على مضمونه ونحن كما ذكرنا إن شاء الله سندرس هذا الكتاب بطريقة ليست بطويلة مملة ولا مختصرة مخلة.
نبدأ إن شاء الله بالحديث الأول
طبعاً قبل ذلك هذا الكتاب "الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين" قد طبع عدة طبعات، الثلاث الأولى تقريباً كانت في حياة الشيخ رحمه الله وبقي الشيخ في أثناء ذلك يعدل على الكتاب فيحذف منه أحاديث تبين له أنها معلة ويزيد أحاديث تبين له أنها صحيحة في كتاب فهذه الطبعة هي الطبعة الرابعة قد أُثبِت فيها كل ما وصل إليه الشيخ رحمه الله من حذف وإضافة لذلك تميزت على بقية الطبعات وهذه الطبعة تجدها مرقمة بينما الطبعات الأخرى أحاديثها غير مرقمة.
قال المؤلف رحمه الله: ((كتاب العلم))
الكتاب في اللغة: هو الجمع، يقال: كتبت الشيء أي جمعته. ومنه الكتابة وهي جمع الكلمات والحروف بعضها إلى بعض.
وفي الاصطلاح: اسم لجملة مختصة من العلم مشتملة على أبواب وفصولٍ غالباً.
وأما العلم في اللغة فهو ضد الجهل والمراد هنا العلم الشرعي وهو علم ما أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم من البينات والهدى.
دائماً عندما يُذكر العلم وفضل العلم في الكتاب والسنة فالمراد العلم الشرعي.
قال المؤلف رحمه الله: ((فضل أهل العلم))
أي هذا باب سيذكر فيه الأحاديث التبي تبين فضل أهل العلم، أي إثبات خيرية علماء الشريعة ومنزلتهم الرفيعة.
فضل علماء الشريعة ثبت بأدلة كثيرة من الكتاب والسنة، ذكر شيخنا رحمه الله شيئاً من السنة في ذلك ووردت بعض الآيات جمعها العلماء في كتبهم التي أُلِّفت في هذا، منها قول الله تبارك وتعالى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) ومنها قوله تبارك وتعالى: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) وقال سبحانه: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) هذه الآيات كلها تدل على فضل أهل العلم،(قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) لا يستوون، فأهل العلم أعلى منزلة من غيرهم ورفع الله أهل العلم درجات.
من هم أهل العلم؟ ذكرنا أن العلم المقصود به العلم الشرعي وأهله هم أصحابه، يعني هم الذين يحملونه.
قال ابن القيم رحمه الله: العلم معرفة الهدى بدليله .... ما ذاك والتقليد يستويان
قال الشيخ ابن عثيمين: فالعالم هو الذي يعرف العلم الحق بالدليل.
هذا تعريف العالم الذي هو المقصود بأهل العلم ، علماء الشريعة
العالم هو الذي يعرف الحق بدليله
قال: والعلم قد يكون علماً واسعا يعرف الإنسان غالب المسائل وما لا يعرفه منها فعنده قدرة على معرفتها.
هذا هو العالم وهؤلاء الذين يطلق عليهم بأنهم أهل العلم، لكن أهل العلم الذين ينالون الفضائل المذكورة في الآيات المذكورة والأحاديث التي ستأتي هم أهل العلم الربانيون الذين يعملون بعلمهم، لا أهل البدع ولا أهل الفجور. الناس اليوم في معرفة العلماء يتخبطون فصاروا يعدون الخطيب عالماً والقصَّاص عالماً وصار المتحدث الذي أوتي طلاقة في لسانه صار عند الكثيرين عالماً، عداك عن صاحب العلم الذي هو رأس في الضلالة، عالم يُرجع إليه عند الكثير، لماذا؟ لكثرة الجهل وكلما كثر الجهل كلما عزف الناس عن العلماء بحق إلى الجهال كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن اللهَ لا يقبضُ العلمَ انتزاعًا ينتزِعُهُ من صدور العلماء، ولكن يقبضُ العلمَ بقبضِ العلماءِ، حتى إذا لم يُبْقِ عالمًا، اتخذَ الناسُ رُؤوسًا جُهَّالًا، فسُئِلوا، فأفْتَوا بغيرِ علمٍ، فضلوا وأضلوا".
العالم لا يكون عالماً إلا أن يتحقق فيه شرط العلم _وذكرنا ضابطه في الكلام الآنف_ وتتحقق فيه العدالة، يكون تقياً ورعاً يخاف الله، يفتي بما يرضي الله لا بما يهوى أو يهوى الناس، قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) فأمر بسؤال أهل العلم لكن قال: ( إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا)، وأعظم الأنباء الذي يأتي عن الله تبارك وتعالى، وهذا العالم مخبر عن شرع الله، عما يريده الله من عباده، فإن كان فاسقاً فلا يقبل خبره حتى نتبين أهو حق أم باطل.
هذا معنى الباب الذي ذكره الشيخ رحمه الله، وسيبدأ الآن بذكر الأحاديث التي تدل على فضل أهل العلم.
قال رحمه الله: ((قال الإمام أحمد رحمه الله( جـ 5 ص34 ): ثنا يحيى بن سعيد عن شعبة حدثني معاوية بن قرة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم ولن تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة". هذا حديث صحيح ، وقد أخرجه الترمذي.
وقال الإمام أحمد رحمه الله ( جــ 5 ص 35 ): "ثنا يزيد أنا شعبة به.
وقال أبو بكر بن أبي شيبة رحمه الله (جـ 12 ص 191 ): ثنا يزيد بن هارون عن شعبة عن معاوية بن قرة عن أبيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم".
والطائفة المنصورة قد قال البخاري رحمه الله: إنهم أهل العلم. وقال الإمام أحمد: إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أدري من هم.
والحديث وإن لم يكن نصاً على ما قاله الإمام البخاري والإمام أحمد فإن أهل الحديث داخلون أولياً لثباتهم على الحق وخدمتهم الإسلام والذب عنه، فجزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خيرا.))
هذا هو الحديث الأول من أحاديث الباب
((قال الإمام أحمد رحمه الله)):
الآن نحن لسنا بحاجة إلى أن نعرف من هو الإمام أحمد ولا ما هو كتابه المسند، فهذا كله قد درسناه في مصطلح الحديث وعرفنا هناك من هو الإمام أحمد وما هو المسند وكيف أُلِّف المسند وما هو شرط المسند وما هي ميزة مسند الإمام أحمد، يبقى عندنا شيء واحد وهو لو أراد شخص أن يتعلق برواية الإمام أحمد لهذا الحديث وأراد أن يضعفه، بماذا ممكن أن يتعلق؟
طبعاً هذا الأمر فرَضي ممكن أن يتعلق بالطعن في مسند الإمام أحمد كله، كيف؟ من راوي مسند الإمام أحمد عنه؟ عبد الله بن الإمام أحمد وهو حافظ ثقة لا مجال للطعن فيه أو الدخول على المسند من قبله، طيب، من الراوي له عن عبد الله بن الإمام أحمد؟ أبو بكر القَطيعي أحمد بن جعفر، هذا طعنوا فيه بأمرين: ومن خلاله تعلق بعض أهل الضلالة من أجل الطعن في المسند. المسند _بارك الله فيكم_ كتاب قد تجاوز القنطرة، تعرفون معنى هذا؟ أن أهل العلم أهل الحديث قد اتفقوا على الاحتجاج به فليس لأحد متعلق بهذه العلة التي يذكرونها في أبي بكر القطيعي، ما الذي ذُكر في أبي بكر القطيعي؟ قالوا: هو ثقة، طيب ولكن عندنا مشكلتان: الأولى: قالوا: فقدَ نسَخاً من نُسَخه(بعض نسخه محفوظاته من الأحاديث فقدها وقعت في النهر) فنسخها من أحاديث ليس عليها سماعه، وهذي مشكلة عند المحدِّثين، لكن قال أهل العلم: أنتم تقرون بأن أبا بكر القطيعي ثقة ومؤتمن فلا يمكن أن ينسخ أحاديثه من غير أن يكون متثبتاً منها. فهذا كلام مردود
الأمر الثاني: قالوا: أبو بكر القطيعي قد اختلط فلا يصح إذاً روايته للمسند، فردَّ عليهم أهل العلم بأن راوي المسند عن أبي بكر القطيعي قد تحمَّل المسند عنه قبل الاختلاط فزالت الشبهة.
هذا الأمر وإن كان فرضياً معنا هنا في هذا الإسناد إلا أن بعض أهل البدع أراد أن يتعلق به للطعن في مسند الإمام أحمد واقعياً وموجود هذا الكلام، لذلك ألَّف الشيخ الألباني رحمه الله كتابه "الذب الأحمد عن مسند الإمام أحمد" وأجاد وأفاد جزاه الله خيراً وأذب عن هذا السفر العظيم من أسفار الإسلام، والذب ليس فيه تكلف فالأمر واضح والحمد لله لذلك اتفق أهل الحديث على الاحتجاج بالمسند وما في المسند فلا مجال لأحد أن يتعلق بهذه العلة.
ذكرناها نحن هنا لأننا كما ذكرنا نحن طلبة علم ينبغي أن نكون على اطلاع بكل ما يتعلق بأحاديثنا التي بين أيدينا حتى غداً إن شاء الله لا تتفاجأ بكلام أحد من أهل الضلال فهؤلاء يتعلقون بالقشة وبمثل هذا يظهر أهل البدع، فهم يبحثون عن مثل هذه الفجوات كي يتعلقوا بها ويطعنوا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا لم يتسلح الطالب بسلاح العلم لا يستطيع أن يرد عليهم، حفظ الشريعة والذب عنها لا يكون لا بالسب ولا بالشتم إنما يكون بالعلم فهذه حرب أهل العلم ونحن في مناسبتها.
"ولن تزال طائفة من أمتي منصورين" هم في حرب والنصر يأتيهم من عند الله تبارك وتعالى
نرجع إلى إسنادنا(قال الإمام أحمد رحمه الله: ثنا يحيى بن سعيد): هو يحيى بن سعيد بن فروخ القطاني التميمي أبو سعيد البصري الأحول الحافظ ثقة ثبت إمام كبير حافظ، كان قريناً لعبد الرحمن بن مهدي وهما إمامان بل إماما الرجال في عصرهما، يحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي، فهذا حافظ كبير علم من أعلام أهل الحديث، من رجال الجرح والتعديل وقالوا فيه: لايروي إلا عن ثقة. قال الذهبي رحمه الله: إلا أنه متعنت في نقد الرجال، يعني شديد عندما يجرح شديد في الجرح ولا يتساهل، متعنت في نقد الرجال فإذا رأيته قد وثَّق شيخاً فاعتمد عليه، يعني متشدد، شديد فلا يوثق بسهولة فإذا وثَّق فاعتمد على توثيقه. قال: أما إذا ليَّن أحداً فتأنى في أمره اصبر لا تستعجل، إذا قدح في شخص فهو متشدد إذا قدح في شخص فاصبر ولا تستعجل حتى يُنظر في قدحه، يذكر السبب أو تنظر ما قال غيره من علماء الحديث كعبد الرحمن بن مهدي كان معتدلاً لم يكن متشدداً، هما في نفس العصر، يحيى بن سعيد كان متعنتاً كما يقول الذهبي، عبد الرحمن بن مهدي كان معتدلاً في الجرح والتعديل. قال: أما إذا ليَّن أحداً فتأنى في أمره حتى ترى قول غيره فيه. قال: فقد ليَّن مثل إسرائيل وهمام وجماعة احتج بهم الشيخان، يعني ضعَّف بعض الثقات عند أهل العلم. هذا هو يحيى بن سعيد القطان.
وأخرج له البخاري ومسلم، فهو من رجال البخاري ومن رجال مسلم.
كيف عرفنا أنه يحيى بن سعيد القطان دون غيره؟ يوجد أكثر من واحد يحيى بن سعيد، نظرنا في شيوخ الإمام أحمد، يحيى بن سعيد فوجدنا القطان، ونظرنا في تلاميذ شعبة بن الحجاج يحيى بن سعيد فوجدنا القطان فعرفنا أنه يحيى بن سعيد القطان وهذا تنظر فيه في "تهذيب الكمال".
فهذا هو الدرس الأول من دروس الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين لشيخنا أبي عبد الرحمن مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله
أجَّلنا دراسة هذا الكتاب إلى هذا الوقت لكي تتمكنوا في الأوقات الماضية من دراسة العلوم التي يحتاجها طالب العلم كي يفهم مادة هذا الكتاب فهماً جيداً، يعني كل من يحضر يفهم ويستفيد بعض الفائدة، لكنها ليست الفائدة التامة التي ينبغي أن تحصل عند دراسة هذا الكتاب، فإذا كان طالب العلم قد تأصل في المصطلح، في اللغة، في أصول الفقه، في الفقه، في العقيدة، ما سيأتيه من مسائل في هذا الكتاب ستكون سهلة عليه إذ إننا لن نرجع إلى الخلف ونشرح أصولاً ينبغي على طالب العلم أن يكون مدركاً لها، بل سنشرح الآن على مستوى طلبة علم عندهم أصول. فهذا الكتاب الآن في الشريعة بشكل عام، آلاف الأحاديث التي بين أيدينا تدلنا على مسائل الشرع، لذلك أخَّرنا هذا الكتاب إلى هذا الوقت لن نستعجل في دراسته سنمشي شيئاً شيئا، قليلاً قليلا، لا يهمنا أن ننتهي منه، المهم هو أن يتمكن الطالب من معرفة كيفية فهم هذا الكتاب وكيف يتعامل مع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم رواية ودراية.
لماذا اخترنا هذا الكتاب دون غيره؟
عادةً كثير من أهل العلم يهتمون بالبخاري ومسلم، الشروح عليهما كثيرة والاهتمام بهما كبير، وهذا واجب الكتابين لمكانتهما، ولما كثرت الشروح في ذينك الكتابين وهذا الكتاب لم يحض بشرح وافٍ وأعتبره أنا أصح كتاب بعد البخاري ومسلم وسترون السبب، ما بنا الحمد لله تعصب ولا شيء، ليس لأن شيخنا هو من ألفه لا، ولكن للشيخ مقبل شرط شديد فيه ووفى بشرطه فلذلك حاز هذه المكانة، سترون ذلك عند الدراسة، نحن لا نتعصب لأحد، نحب شيخنا ونعظمه ونبجله ونحترمه وله علينا فضل كبير لو دعونا له في كل سجدة من سجودنا ما وفيناه حقه حقيقة، لأن هذا الفضل الذي تفضل الله به علينا هو من الله تبارك وتعالى فضلٌ وشيخنا رحمه الله كان سبباً في هذا الفضل، مع مكانته رحمه الله في نفسي إلا أنني لا أتعصب لأحد وسندرس هذا الكتاب كما ذكرت لأنه لم يحظ بشرح وافٍ ووفاء لحق شيخي رحمه الله. فمدارسة كتابه وانتفاع الطلبة منه يزيد الأجر للشيخ رحمه الله
وسندرس إن شاء الله هذا الكتاب دراسة نقد، يعني سننظر في الأحاديث التي وضعها الشيخ رحمه الله في هذا الكتاب هل هي صحيحة كما ذكر الشيخ أم لا. هذه طريقتنا إن شاء الله ستكون في شرح هذا الكتاب والشرح لن يكون مطولاً ولن يكون مختصراً جداً سنوفيه حقه إن شاء الله .
شيخنا مقبل مؤلف الكتاب هو مقبل بن هادي بن مقبل الهمداني الوادعي الخِلالي من قبيلة آل راشد وقبيلة وادعة من بلاد اليمن والكثير منهم يسكن دماج، قرية من قرى صعدة شمال اليمن. ولد الشيخ رحمه الله تقريباً سنة ست وخمسين وثلاث مائة وألف(1356) وتوفي سنة اثنتين وعشرين وأربع مائة وألف(1422) يعني لم يصل إلى السبعين من عمره. طلب العلم تقريباً وهو في الخامسة والثلاثين ودرس على مجموعة من العلماء من الحجاز واليمن ومصر ونجد والصومال والهند والباكستان والسعودية وغيرها من بلاد الله سبحانه وتعالى ، واجه صعوبة في بداية الطلب لكنه طلب العلم وفتح الله سبحانه وتعالى عليه في العلوم وكان متميزاً في علم الحديث معروفاً به قد فتح الله سبحانه وتعالى عليه في هذا العلم وكان بحق محدثاً نابغة في هذا المجال، له عدة مؤلفات كثيرة في علم الحديث أنفسها حقيقة هذا الكتاب الذي بين أيدينا وهو "الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين" ونتيجة عمل الشيخ رحمه الله في هذا الكتاب أنتج كتاباً آخر وهو أحاديث معلة ظاهرها الصحة فكان الشيخ رحمه الله يجمع الأحاديث الصحيحة في هذا الكتاب فما ظن أنه صحيح ثم تبينت له بعد ذلك فيه علة أفرده في ذاك الكتاب وهو "أحاديث معلة ظاهرها الصحة".
في البداية بدأ الشيخ في تأليف كتاب الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين، وفكرة الكتاب من حيث الأحاديث نفس فكرة الجامع الصحيح هذا فبدأ بداية بكتاب الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين ورتبه على طريقة المسانيد بترتيب الصحابة وأفرد أحاديث كل صحابي على حدة، لكن رأى الشيخ رحمه الله أن هذه الطريقة ينتفع بها خاصة الطلبة من أهل الحديث ولا يكون النفع عاماً فغيَّر إلى هذه الطريق التي هي طريقة السنن أي جعل الكتاب مرتباً على الأبواب الفقهية،
فالجامع عند أهل الحديث هو كتاب يجمع فيه صاحبه أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في أمور الإسلام عامة، لا تختص في باب دون باب ويرتّب الكتاب على الأبواب الفقهية، يعني تقريباً الجامع هو نفس السنن، البعض يفرق بينهما بأن السنن خاصة بأحاديث الأحكام والجامع عام لكن هذا لا يظهر من السنن المؤلفة والموجودة فيها أحاديث الإسلام عامة وليست خاصة بأحاديث الأحكام، لكنها مرتبة على الأبواب الفقهية.
فالجامع الصحيح سمي جامعاً لأنه قد جمع الأحاديث التي هي في شريعة الله سبحانه وتعالى ولا تختص في جانب دون جانب، والصحيح لأن الشيخ رحمه الله قد اشترط في هذا الكتاب أن يكون صحيحاً.
شرط الشيخ في هذا الكتاب أن يكون صحيحاً كما ذكرنا ومن هنا يأتينا سبب تأليف الشيخ في هذا الكتاب. الشيخ رحمه الله سمع بعض أهل الحديث يقول: الأحاديث الصحيحة خارج الصحيحين قليل.
تعلمون أنتم من خلال ما درستم في علم المصطلح أن العلماء في هذا على ثلاثة مذاهب:
المذهب الأول أن البخاري ومسلماً استوعبا الأحاديث الصحيحة.
المذهب الثاني وهو الذي قرره ابن الأخرم أنه يوجد أحاديث صحيحة خارج الصحيحين لكنها قليلة.
المذهب الثالث وهو ما ذهب إليه ابن الصلاح وغيره الأحاديث الصحيحة خارج الصحيحين كثيرة.
فسمع الشيخ رحمه الله أحد أهل الحديث يقول: الأحاديث الصحيحة خارج الصحيحين قليلة(على مذهب ابن الأخرم) فلذلك عزم رحمه الله على تأليف هذا الكتاب، وشرطه فيه أن لا يضع فيه حديثاً إلا صحيحاً بشرط أن لا يكون هذا الحديث موجوداً في البخاري أو في مسلم، وهو لم يشغل نفسه بالأحاديث الحسنة لغيرها إنما اعتنى بتخريج الحديث الصحيح لذاته أو الصحيح لغيره أو الحسن لذاته، تجده كله في هذا الكتاب، أما الأحاديث التي تحتاج إلى عمل وبحث وجمع طرق فهذه لم يضعها في هذا الكتاب لأنها كانت تحتاج إلى وقت كما نبه على ذلك في مقدمة الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين.
فهذا الكتاب سماه "الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين" فاسمه يدل على مضمونه ونحن كما ذكرنا إن شاء الله سندرس هذا الكتاب بطريقة ليست بطويلة مملة ولا مختصرة مخلة.
نبدأ إن شاء الله بالحديث الأول
طبعاً قبل ذلك هذا الكتاب "الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين" قد طبع عدة طبعات، الثلاث الأولى تقريباً كانت في حياة الشيخ رحمه الله وبقي الشيخ في أثناء ذلك يعدل على الكتاب فيحذف منه أحاديث تبين له أنها معلة ويزيد أحاديث تبين له أنها صحيحة في كتاب فهذه الطبعة هي الطبعة الرابعة قد أُثبِت فيها كل ما وصل إليه الشيخ رحمه الله من حذف وإضافة لذلك تميزت على بقية الطبعات وهذه الطبعة تجدها مرقمة بينما الطبعات الأخرى أحاديثها غير مرقمة.
قال المؤلف رحمه الله: ((كتاب العلم))
الكتاب في اللغة: هو الجمع، يقال: كتبت الشيء أي جمعته. ومنه الكتابة وهي جمع الكلمات والحروف بعضها إلى بعض.
وفي الاصطلاح: اسم لجملة مختصة من العلم مشتملة على أبواب وفصولٍ غالباً.
وأما العلم في اللغة فهو ضد الجهل والمراد هنا العلم الشرعي وهو علم ما أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم من البينات والهدى.
دائماً عندما يُذكر العلم وفضل العلم في الكتاب والسنة فالمراد العلم الشرعي.
قال المؤلف رحمه الله: ((فضل أهل العلم))
أي هذا باب سيذكر فيه الأحاديث التبي تبين فضل أهل العلم، أي إثبات خيرية علماء الشريعة ومنزلتهم الرفيعة.
فضل علماء الشريعة ثبت بأدلة كثيرة من الكتاب والسنة، ذكر شيخنا رحمه الله شيئاً من السنة في ذلك ووردت بعض الآيات جمعها العلماء في كتبهم التي أُلِّفت في هذا، منها قول الله تبارك وتعالى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) ومنها قوله تبارك وتعالى: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) وقال سبحانه: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) هذه الآيات كلها تدل على فضل أهل العلم،(قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) لا يستوون، فأهل العلم أعلى منزلة من غيرهم ورفع الله أهل العلم درجات.
من هم أهل العلم؟ ذكرنا أن العلم المقصود به العلم الشرعي وأهله هم أصحابه، يعني هم الذين يحملونه.
قال ابن القيم رحمه الله: العلم معرفة الهدى بدليله .... ما ذاك والتقليد يستويان
قال الشيخ ابن عثيمين: فالعالم هو الذي يعرف العلم الحق بالدليل.
هذا تعريف العالم الذي هو المقصود بأهل العلم ، علماء الشريعة
العالم هو الذي يعرف الحق بدليله
قال: والعلم قد يكون علماً واسعا يعرف الإنسان غالب المسائل وما لا يعرفه منها فعنده قدرة على معرفتها.
هذا هو العالم وهؤلاء الذين يطلق عليهم بأنهم أهل العلم، لكن أهل العلم الذين ينالون الفضائل المذكورة في الآيات المذكورة والأحاديث التي ستأتي هم أهل العلم الربانيون الذين يعملون بعلمهم، لا أهل البدع ولا أهل الفجور. الناس اليوم في معرفة العلماء يتخبطون فصاروا يعدون الخطيب عالماً والقصَّاص عالماً وصار المتحدث الذي أوتي طلاقة في لسانه صار عند الكثيرين عالماً، عداك عن صاحب العلم الذي هو رأس في الضلالة، عالم يُرجع إليه عند الكثير، لماذا؟ لكثرة الجهل وكلما كثر الجهل كلما عزف الناس عن العلماء بحق إلى الجهال كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن اللهَ لا يقبضُ العلمَ انتزاعًا ينتزِعُهُ من صدور العلماء، ولكن يقبضُ العلمَ بقبضِ العلماءِ، حتى إذا لم يُبْقِ عالمًا، اتخذَ الناسُ رُؤوسًا جُهَّالًا، فسُئِلوا، فأفْتَوا بغيرِ علمٍ، فضلوا وأضلوا".
العالم لا يكون عالماً إلا أن يتحقق فيه شرط العلم _وذكرنا ضابطه في الكلام الآنف_ وتتحقق فيه العدالة، يكون تقياً ورعاً يخاف الله، يفتي بما يرضي الله لا بما يهوى أو يهوى الناس، قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) فأمر بسؤال أهل العلم لكن قال: ( إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا)، وأعظم الأنباء الذي يأتي عن الله تبارك وتعالى، وهذا العالم مخبر عن شرع الله، عما يريده الله من عباده، فإن كان فاسقاً فلا يقبل خبره حتى نتبين أهو حق أم باطل.
هذا معنى الباب الذي ذكره الشيخ رحمه الله، وسيبدأ الآن بذكر الأحاديث التي تدل على فضل أهل العلم.
قال رحمه الله: ((قال الإمام أحمد رحمه الله( جـ 5 ص34 ): ثنا يحيى بن سعيد عن شعبة حدثني معاوية بن قرة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم ولن تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة". هذا حديث صحيح ، وقد أخرجه الترمذي.
وقال الإمام أحمد رحمه الله ( جــ 5 ص 35 ): "ثنا يزيد أنا شعبة به.
وقال أبو بكر بن أبي شيبة رحمه الله (جـ 12 ص 191 ): ثنا يزيد بن هارون عن شعبة عن معاوية بن قرة عن أبيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم".
والطائفة المنصورة قد قال البخاري رحمه الله: إنهم أهل العلم. وقال الإمام أحمد: إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أدري من هم.
والحديث وإن لم يكن نصاً على ما قاله الإمام البخاري والإمام أحمد فإن أهل الحديث داخلون أولياً لثباتهم على الحق وخدمتهم الإسلام والذب عنه، فجزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خيرا.))
هذا هو الحديث الأول من أحاديث الباب
((قال الإمام أحمد رحمه الله)):
الآن نحن لسنا بحاجة إلى أن نعرف من هو الإمام أحمد ولا ما هو كتابه المسند، فهذا كله قد درسناه في مصطلح الحديث وعرفنا هناك من هو الإمام أحمد وما هو المسند وكيف أُلِّف المسند وما هو شرط المسند وما هي ميزة مسند الإمام أحمد، يبقى عندنا شيء واحد وهو لو أراد شخص أن يتعلق برواية الإمام أحمد لهذا الحديث وأراد أن يضعفه، بماذا ممكن أن يتعلق؟
طبعاً هذا الأمر فرَضي ممكن أن يتعلق بالطعن في مسند الإمام أحمد كله، كيف؟ من راوي مسند الإمام أحمد عنه؟ عبد الله بن الإمام أحمد وهو حافظ ثقة لا مجال للطعن فيه أو الدخول على المسند من قبله، طيب، من الراوي له عن عبد الله بن الإمام أحمد؟ أبو بكر القَطيعي أحمد بن جعفر، هذا طعنوا فيه بأمرين: ومن خلاله تعلق بعض أهل الضلالة من أجل الطعن في المسند. المسند _بارك الله فيكم_ كتاب قد تجاوز القنطرة، تعرفون معنى هذا؟ أن أهل العلم أهل الحديث قد اتفقوا على الاحتجاج به فليس لأحد متعلق بهذه العلة التي يذكرونها في أبي بكر القطيعي، ما الذي ذُكر في أبي بكر القطيعي؟ قالوا: هو ثقة، طيب ولكن عندنا مشكلتان: الأولى: قالوا: فقدَ نسَخاً من نُسَخه(بعض نسخه محفوظاته من الأحاديث فقدها وقعت في النهر) فنسخها من أحاديث ليس عليها سماعه، وهذي مشكلة عند المحدِّثين، لكن قال أهل العلم: أنتم تقرون بأن أبا بكر القطيعي ثقة ومؤتمن فلا يمكن أن ينسخ أحاديثه من غير أن يكون متثبتاً منها. فهذا كلام مردود
الأمر الثاني: قالوا: أبو بكر القطيعي قد اختلط فلا يصح إذاً روايته للمسند، فردَّ عليهم أهل العلم بأن راوي المسند عن أبي بكر القطيعي قد تحمَّل المسند عنه قبل الاختلاط فزالت الشبهة.
هذا الأمر وإن كان فرضياً معنا هنا في هذا الإسناد إلا أن بعض أهل البدع أراد أن يتعلق به للطعن في مسند الإمام أحمد واقعياً وموجود هذا الكلام، لذلك ألَّف الشيخ الألباني رحمه الله كتابه "الذب الأحمد عن مسند الإمام أحمد" وأجاد وأفاد جزاه الله خيراً وأذب عن هذا السفر العظيم من أسفار الإسلام، والذب ليس فيه تكلف فالأمر واضح والحمد لله لذلك اتفق أهل الحديث على الاحتجاج بالمسند وما في المسند فلا مجال لأحد أن يتعلق بهذه العلة.
ذكرناها نحن هنا لأننا كما ذكرنا نحن طلبة علم ينبغي أن نكون على اطلاع بكل ما يتعلق بأحاديثنا التي بين أيدينا حتى غداً إن شاء الله لا تتفاجأ بكلام أحد من أهل الضلال فهؤلاء يتعلقون بالقشة وبمثل هذا يظهر أهل البدع، فهم يبحثون عن مثل هذه الفجوات كي يتعلقوا بها ويطعنوا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا لم يتسلح الطالب بسلاح العلم لا يستطيع أن يرد عليهم، حفظ الشريعة والذب عنها لا يكون لا بالسب ولا بالشتم إنما يكون بالعلم فهذه حرب أهل العلم ونحن في مناسبتها.
"ولن تزال طائفة من أمتي منصورين" هم في حرب والنصر يأتيهم من عند الله تبارك وتعالى
نرجع إلى إسنادنا(قال الإمام أحمد رحمه الله: ثنا يحيى بن سعيد): هو يحيى بن سعيد بن فروخ القطاني التميمي أبو سعيد البصري الأحول الحافظ ثقة ثبت إمام كبير حافظ، كان قريناً لعبد الرحمن بن مهدي وهما إمامان بل إماما الرجال في عصرهما، يحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي، فهذا حافظ كبير علم من أعلام أهل الحديث، من رجال الجرح والتعديل وقالوا فيه: لايروي إلا عن ثقة. قال الذهبي رحمه الله: إلا أنه متعنت في نقد الرجال، يعني شديد عندما يجرح شديد في الجرح ولا يتساهل، متعنت في نقد الرجال فإذا رأيته قد وثَّق شيخاً فاعتمد عليه، يعني متشدد، شديد فلا يوثق بسهولة فإذا وثَّق فاعتمد على توثيقه. قال: أما إذا ليَّن أحداً فتأنى في أمره اصبر لا تستعجل، إذا قدح في شخص فهو متشدد إذا قدح في شخص فاصبر ولا تستعجل حتى يُنظر في قدحه، يذكر السبب أو تنظر ما قال غيره من علماء الحديث كعبد الرحمن بن مهدي كان معتدلاً لم يكن متشدداً، هما في نفس العصر، يحيى بن سعيد كان متعنتاً كما يقول الذهبي، عبد الرحمن بن مهدي كان معتدلاً في الجرح والتعديل. قال: أما إذا ليَّن أحداً فتأنى في أمره حتى ترى قول غيره فيه. قال: فقد ليَّن مثل إسرائيل وهمام وجماعة احتج بهم الشيخان، يعني ضعَّف بعض الثقات عند أهل العلم. هذا هو يحيى بن سعيد القطان.
وأخرج له البخاري ومسلم، فهو من رجال البخاري ومن رجال مسلم.
كيف عرفنا أنه يحيى بن سعيد القطان دون غيره؟ يوجد أكثر من واحد يحيى بن سعيد، نظرنا في شيوخ الإمام أحمد، يحيى بن سعيد فوجدنا القطان، ونظرنا في تلاميذ شعبة بن الحجاج يحيى بن سعيد فوجدنا القطان فعرفنا أنه يحيى بن سعيد القطان وهذا تنظر فيه في "تهذيب الكمال".