.
.
قال زيد: (وسألنا عن الصلاة الوسطى): يعني الذي ورد ذكرها في القرآن (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ).
ما المقصود بالصلاة الوسطى؟
قال: (وهي الظهر): هذا تفسير زيد بن ثابت.
قال: (وسألنا): يدل على أن المسئولين أكثر من زيد، ليس زيداً وحده، الظاهر أن أكثر من صحابي كان.
ونبَّه شيخنا رحمه الله على أن هذا القول -وهو اختيار الصلاة الوسطى بأنها صلاة الظهر- قول ضعيف، والراجح الصلاة الوسطى هي صلاة العصر. وسيأتي إن شاء الله تحرير المسألة في موضعها.
فوائد هذا الحديث:
قال ابن القيم رحمه الله في "مفتاح دار السعادة" بعد أن ذكر هذا الحديث: ولو لم يكن في فضل العلم إلا هذا الحديث وحده لكفى به شرفاً.
لذلك ساقه شيخنا في هذا الموطن.
لاحظ قوله: ولو لم يكن في فضل العلم إلا هذا الحديث وحده لكفى به شرفاً، فإن النبي صلى الله عليه وسلم دعا لمن سمع كلامه، ووعاه، وحفظه، وبلَّغه، وهذه هي مراتب العلم.
السماع، والفهم، والحفظ، والإبلاغ.
قال: أولها وثانيها: -وهو السماع والفهم- سماعُه وعقلُه -يعني فهمه- فإذا سمعه وعاه بقلبه، أي: عقَله واستقر في قلبه كما يستقر الشيء الذي يوعى في وعائه ولا يخرج منه، وكذلك عقْلُه هو بمنزلة عقل البعير والدابة ونحوها -يعني ربْطها- حتى لا تشرد وتذهب -حتى لا تشرد: يعني لا تهرب-، ولهذا كان الوعي والعقل قدراً زائداً على مجرد إدراك المعلوم.
المرتبة الثالثة: تعاهده وحفظه حتى لا ينساه فيذهب.
المرتبة الرابعة: تبليغه وبثه في الأمة ليحصل به ثمرته ومقصوده، وهو بثه في الأمة، فهو بمنزلة الكنز المدفون في الأرض الذي لا يُنفق منه وهو معَرَّض لذهابه، فإن العلم ما لم يُنفَق منه ويعلَّم يوشك أن يذهب، فإذا أُنفق منه نما وزكا على الإنفاق-كلما أعطيت منه كلما زاد، وهذه فضيلة في العلم. إذا أردت أن تتقن العلم وأن تزداد به خيراً وتزداد علماً فدرِّس، ما وجدت طريقة لتثبيت العلم أفضل من هذه الطريقة. إذا درَّست مع التحضير طبعاً تزداد علماً إلى علمك، وكلما أعطيت كلما ازددت علماً-.
قال: فمن قام بهذه المراتب الأربع دخل تحت هذه الدعوة النبوية المتضمنة لجمال الظاهر والباطن، فإن النُّضرة هي البهجة والحسن الذي يُكساه الوجه من آثار الإيمان وابتهاج الباطن به وفرح القلب وسروره والتذاذه به، فتظهر هذه البهجة والسرور والفرحة نضارة على الوجه، ولهذا يجمع له سبحانه بين السرور والنُّضرة، كما في قوله تعالى: (فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا). فالنضرة في وجوههم، والسرور في قلوبهم، فالنعيم وطيب القلب يظهر نضارة في الوجه، كما قال تعالى: (تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ).
والمقصود: أن هذه النضرة في وجه من سمع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ووعاها وحفظها وبلغها هي أثر تلك الحلاوة والبهجة والسرور الذي في قلبه وباطنه.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه" تنبيه منه على فائدة التبليغ، وأن المبلَّغ قد يكون أفهم من المبلِّغ، فيحصل له في تلك المقالة ما لم يحصل للمبلِّغ.
أو يكون المعنى: أن المبلَّغ قد يكون أفقه من المبلِّغ فإذا سمع تلك المقالة حملها على أحسن وجوهها واستنبط فقهها وعلم المراد منها .
وقوله صلى الله عليه وسلم :"ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم ... الخ" أي: لا يحمل الغل ولا يبقى فيه من هذه الثلاث فإنها تنفي الغل والغش وفساد القلب وسخائمه، فالمخلص لله إخلاصه يمنع غل قلبه ويخرجه ويزيله جملة، لأنه قد انصرفت دواعي قلبه وإرادته إلى مرضاة ربه فلم يبق فيه موضع للغل والغش كما قال تعالى: (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ)، فلما أخلص لربه صرف عنه دواعي السوء والفحشاء.
ولهذا لما علم إبليس أنه لا سبيل له على أهل الإخلاص استثناهم من شرطته التي اشترطها للغواية والإهلاك، فقال: ( فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ)، قال تعالى: (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَك عَلَيْهِمْ سُلْطَان إِلَّا مَنْ اِتَّبَعَك مِنْ الْغَاوِينَ).
فالإخلاص هو سبيل الخلاص، والإسلام مركب السلامة، والإيمان خاتم الأمان.
قوله: "ومناصحة أئمة المسلمين": هذا أيضاً منافٍ للغل والغش فإن النصيحة لا تجامع الغل إذ هي ضده، فمن نصح الأئمة والأمة فقد برئ من الغل.
وقوله: "ولزوم جماعتهم": هذا أيضاً مما يطهر القلب من الغل والغش، فإن صاحبه -للزومه جماعة المسلمين- يحب لهم ما يحب لنفسه، ويكره لهم ما يكره لها، ويسوؤه ما يسوؤهم، ويسره ما يسرهم.
وهذا بخلاف من انحاز عنهم واشتغل بالطعن عليهم والعيب والذم، كفعل الرافضة والخوارج والمعتزلة وغيرهم، فإن قلوبهم ممتلئة غلاً وغشا، ولهذا تجد الرافضة أبعد الناس من الإخلاص، وأغشهم للأئمة والأمة، وأشدهم بعداً عن جماعة المسلمين.
فهؤلاء أشد الناس غلاً وغشاً بشهادة الرسول والأمة عليهم، وشهادتهم على أنفسهم بذلك، فإنهم لا يكونون قط إلا أعواناً وظهراً على أهل الإسلام، فأي عدو قام للمسلمين كانوا أعوان ذلك العدو وبطانته.
وهذا أمر قد شاهدته الأمة منهم، ومن لم يشاهده فقد سمع منه ما يصمُّ الآذان ويشجي القلوب.
وقوله: "فإن دعوتهم تحيط من ورائهم": هذا من أحسن الكلام وأوجزه وأفخمه معنىً، شبَّه دعوة المسلمين بالسور والسياج المحيط بهم، المانع من دخول عدوهم عليهم ... الخ ما ذكر، وقد كنا قرأنا هذا الكلام.
قلت: في هذا الحديث الحث على الرغبة في الآخرة وجعلها أكبر هم العبد، والحث على طلبها بالتقرب إلى الله سبحانه وتعالى بأنواع العبادات التي شرعها، والتقليل من طلب الدنيا والرضى بما قسمه الله للعبد من الرزق والله أعلم.
هذا آخر ما يتعلق بهذا الحديث
أما الحديث الثالث:
قال المؤلف رحمه الله: ((قال الإمام أحمد رحمه الله(82577): ثنا أبو عبد الرحمن ثنا سعيد ثنا محمد بن عجلان عن القعقاع عن أبي صالح عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يزال لهذا الأمر" أو "على هذا الأمر عصابة على الحق، ولا يضرهم خلاف من خالفهم حتى يأتيهم أمر الله".
هذا حديث حسن. وسعيد: هو ابن أبي أيوب. وأبو عبد الرحمن: هو عبد الله بن يزيد المقرئ.
وقال الإمام أحمد رحمه الله (8465): ثنا يونس ثنا ليث عن محمد -وهو ابن عجلان- به.
وقال الإمام أحمد رحمه الله (جـ 2 ص 3799) (ح) -(ح) هذه تُذْكر لتحويل الإسناد، قد مر معنا ذلك في كتب المصطلح-: حدثنا قتيبة حدثنا ليث عن ابن عجلان، به.
وأخرجه البزار كما في كشف الأستار (جـ 4 ص 111).))
هذا الحديث الثالث
ذكر الإمام أحمد رحمه الله شيخه بكنيته، ولم يزد على ذلك، وذكر شيخ شيخه بكلمة سعيد. وهذا النوع الذي يسمى بالمهمَل، وهذا بإمكانك أن تعرفه عن طريق جمع طرق الحديث، فربما تجده قد ذُكر بما يُعرف به في إسناد آخر، يعني ربما تجده في إسناد آخر يقول: حدثنا سعيد بن أبي أيوب حدثنا محمد بن عجلان، فيبين لك من هو سعيد هذا.
هذه طريقة من طرق معرفة المهمَل. بجمع طرق الحديث يتبين معك.
والطريقة الأخرى: بالنظر في الشيوخ والتلاميذ. هنا مثلاً: سعيد حدثنا محمد بن عجلان.
ترجع إلى ترجمة محمد بن عجلان في "تهذيب الكمال"، وتنظر من الذي يروي عنه واسمه سعيد؟.
وكذلك تفعل مع أبي عبد الرحمن، وبهذا يظهر لك.
والشيخ رحمه الله قد سهَّل عليك هذا الأمر فبيَّن لك المقصود من سعيد ومن أبي عبد الرحمن. فقال: سعيد هو أبي أيوب، وأبو عبد الرحمن هو عبد الله بن يزيد المقرئ، وعرفت أنت كيف تقف على مثل هذه الأسماء.
أما رجال الإسناد:
فـ (أبو عبد الرحمن): هو عبد الله بن يزيد القرشي أبو عبد الرحمن القصير. قال الحافظ ابن حجر: ثقة فاضل. وقد أخرج له الجماعة، فلا إشكال فيه. وصرَّح الإمام أحمد بالسماع منه.
وأما (سعيد): فهو سعيد بن أبي أيوب الخزاعي مولاهم المصري أبو يحيى بن مقلاص، ثقة ثبت أخرج له الجماعة وقد صرَّح أبو عبد الرحمن بالسماع من سعيد وصرَّح سعيد بالسماع من محمد بن عجلان.
أما (محمد بن عجلان): فهو المدني. أخرج له البخاري تعليقاً، وأخرج له مسلم في المتابعات. قال الحافظ ابن حجر: صدوق إلا أنه اختلطت عليه أحاديث أبي هريرة.
هذا ما ذكره في التقريب.
نحن نقرأ ترجمته من "تهذيب التهذيب" لأن هذا سيمر معنا كثيراً، بما أن الشيخ رحمه الله قد أدخله في هذا الكتاب محتجاً به، وليس في الشواهد والمتابعات، بل احتج به أخرج له في الأصول،إذاً سيمر معنا فيما هو آت فنقرأ ترجمته ونحرِّر القول فيه كي ننهي الأمر هنا.
قال في "تهذيب التهذيب": (خت م 44): يعني أخرج له البخاري تعليقاً -في المعلقات- وأخرج له مسلم في صحيحه. طبعاً أنتم علمتم أن الحافظ ابن حجر هنا في هذه الفقرة الأولى من الكتاب يذكر ما ذكره المزي في "تهذيب الكمال" ويختصره فقط، ثم بعد ذلك يعقِّب بكلامه عند قوله: (قلت).
هذا الكلام الآن الذي معنا كلام المزي، فالمزي قال أن مسلماً قد أخرج له، لم يفصِّل هل أخرج له في الأصول أم في المتابعات، يعني أخرج له محتجاً به أم أخرج له في الشواهد والمتابعات. أما البخاري إذا أخرج له تعليقاً فلا إشكال، هو ليس من شرط الكتاب أصلاً، لكن مسلماً أخرج له في صحيحه، كيف؟ الآن ظاهر ما فعله المزي أنه أخرج له في الأصول، أو أنه على الأقل أبهم ولم يبين لنا كيف أخرج له، وسيأتي الآن مزيد بيان من الحافظ بن حجر .
قال: والأربعة: يعني أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.
قال: محمد بن عجلان المدني القرشي مولى فاطمة بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة أبو عبد الله أحد العلماء العاملين -هو عالم كان فقيهاً رحمه الله وكان معروفاً بالزهد.
إذاً من هذا نعرف أن عدالة الرجل لا إشكال فيها، وأن علمه لا إشكال فيه، لكن عندنا إشكال في شيء آخر سيأتي إن شاء الله-.
قال: روى عن أبيه وأنس بن مالك وسلمان بن أبي حازم الأشجعي ... الخ ما ذكر، ثم قال: وعنه -يعني روى عنه- صالح بن كيسان وهو أكبر منه -عندما المحدِّث يروي عنه من هو أكبر منه سناً يدل ذلك على أن حديثه يُحتاج إليه، لذلك يروي عنه من هو أكبر سناً منه- وعبد الوهاب بن بُخت ومات قبله، وإبراهيم بن أبي عبلة وهو من أقرانه ومالك ومنصور وشعبة وزياد بن سعد والسفيانان -أي سفيان الثوري وسفيان بن عيينة- والليث -هو الليث بن سعد- وسليمان بن بلال وابن لهيعة وبكر بن مُضَر وداود بن قيس الفرّاء والداروردي وحاتم بن إسماعيل وأبو خالد الأحمر والوليد بن مسلم ويحيى القطان والمغيرة بن عبد الرحمن المخزومي وعبد الله بن إدريس وأبو عاصم الضحاك بن مخلد النبيل وآخرون -آخرون هذه من عند الحافظ ابن حجر، اختصر، لأن المزي يذكر جميع ما يقع له من شيوخ الراوي ومن تلاميذه من الرواة عنه، لكن الحافظ يختصر هذا-.
نأتي الآن على كلام في الجرح والتعديل
قال صالح بن أحمد عن أبيه -يعني أحمد بن حنبل- قال: ثقة.
وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه: سمعت ابن عيينة يقول: حدثنا محمد بن عجلان وكان ثقة -الآن التوثيق من سفيان بن عيينة وتوثيق أيضاً من الإمام أحمد. سجِّل عندك هذه كي تخرج بخلاصة في النهاية. عندنا الآن تذكر مثلاً وثَّقه أحمد وابن عيينة-.
وقال أيضاً: سألت أبي عن محمد بن عجلان وموسى بن عقبة فقال: جميعاً ثقة وما أقربهما -يعني هما قريبان في الحفظ وكلاهما ثقة وهذا توثيق آخر من الإمام أحمد-.
وقال إسحاق بن منصور عن ابن معين: ثقة، وقدمه على داود بن قيس الفرَّاء.
إذاً الآن صار عندنا: وثقه أحمد وابن معين وابن عيينة.
وقال الدوري عن ابن معين ثقة، أوثق من محمد بن عمرو وما يشك في هذا أحد. كان داود بن قيس يجلس إلى ابن عجلان يتحفظ عنه وكان يقول: إنها اختلطت عن ابن عجلان_يعني أحاديث سعيد المقبري-.
هذا أول مأخذ، تسجل عندك ملاحظة: اختلطت عليه أحاديث سعيد المقبري.
ثم قال: وقال يعقوب بن شيبة: صدوق وسط -لم يجعله في مرتبة الثقة، أنزله فقال: صدوق-.
وقال أبو زرعة: ابن عجلان من الثقات.
وقال أبو حاتم والنسائي: ثقة.
كم واحد عندنا الآن؟
أبو زرعة وأبو حاتم والنسائي، وهؤلاء كلهم توثيق: ثقة، ثقة، ثقة.
وقال الواقدي: سمعت عبد الله بن محمد بن عجلان يقول: حُمل بأبي أكثر من ثلاث سنين. قال: وقد رأيته وسمعت منه ومات سنة ثمان أو تسع وأربعين ومائة وكان ثقة كثير الحفظ -كل هذا ما من ورائه فائدة، لأن الراوي لهذا الخبر كله: الواقدي وهو متروك لا يُعتمد على ما قال-.
وقال ابن يونس: -وابن يونس من العلماء في المصريين له تاريخ في أهل مصر وهو خبير بهم، قدم مصر وصار إلى الإسكندرية فتزوج بها امرأة، فأتاها في دبرها، فشكته إلى أهلها فشاع ذلك، فصاحوا به، فخرج منها وتوفي بالمدينة سنة ثمان وأربعين. هذا إن صح فهو محمول على أنه كان له فقه في هذه المسألة، لم يصح عنده اتفاق في تحريمها أو لم يطلع على الاتفاق وكان يحل ذلك. هذا المظنون به، لماذا؟ لأنهم قد أثنوا على دينه-.
قلتُ -الآن انتهى كلام المزي وسيبدأ الحافظ ابن حجر-: إنما أخرج له مسلم في المتابعات ولم يحتج به.
شفت الآن انتقد ما ذكره المزي، انتقده فقال: أخرج له مسلم في المتابعات ولم يحتج به، يعني سواء كان قد قرر المزي أنه قد احتج به أو أبهم الكلام كان ينبغي أن يبين، لذلك اعترض مباشرة الحافظ ابن حجر بهذا.
إذاً مسلم لم يحتج به إنما أخرج له في المتابعات.
وقال يحيى القطان عن ابن عجلان كان سعيد المقبري يحدث عن أبي هريرة وعن أبيه عن أبي هريرة وعن رجل عن أبي هريرة فاختلطت عليه فجعلها كلها عن أبي هريرة.
إذاً الملاحظة التي ذكرناها سابقاً أُكِّدت هنا، أن أحاديث سعيد المقبري اختلطت عليه، أحاديث سعيد المقبري في السابق، هنا ليست فقط أحاديث سعيد المقبري بل وأحاديث أبي هريرة أيضاً، قال: فجعلها كلها عن أبي هريرة مع أن بعضها سعيد المقبري عن أبي هريرة، وبعضها عن أبيه عن أبي هريرة، وبعضها عن رجل عن أبي هريرة.
إذاً أحاديث أبي هريرة اختلطت عليه.
قال: ولما ذَكر ابن حبان في كتاب "الثقات" هذه القصة قال: ليس هذا بوهن يوهَّن الإنسان به، لأن الصحيفة كلها في نفسها صحيحة فربما قال ابن عجلان عن سعيد عن أبيه عن أبي هريرة، فهذا مما حُمل عنه قديما قبل اختلاط صحيفته فلا يجب الاحتجاج إلا بما يروي عنه الثقات.
هذا كله توجيه من ابن حبان لما قيل في روايته لأحاديث أبي هريرة.
وقال ابن سعد: كان عابداً ناسكاً فقيهاً -انظر كيف يثنون على عبادته وعلى تدينه وعلى علمه- وكانت له حلقة في المسجد وكان يفتي.
وقال العجلي: مدني ثقة.
وقال الساجي: هو من أهل الصدق لم يحدث عنه مالك إلا يسيرا.
وقال ابن عيينة: كان ثقة عالما.
وقال العقيلي: يضطرب في حديث نافع -زيادة أخرى-.
ما الخلاصة التي تخرج بها من خلال هذا الكلام كله؟
الخلاصة التي ذكرها الحافظ قال: صدوق إلا أنه اختلطت عليه أحاديث أبي هريرة.
الآن اختلطت عليه أحاديث نافع في كلام العقيلي، إذاً انتهينا.
إذاً مع توثيق الذين وثقوه وهم أئمة كثر نقول: الأصل فيه أنه ثقة، إلا في حديث نافع -اعتماداً على ما ذكره العقيلي- هذا استثناء، وحديث المقبري. وهل أحاديث أبي هريرة كلها قد اضطرب فيها أم خاصة بحديث سعيد المقبري؟
الآن الكلام السابق فيه هذا وهذا. لما بحثنا زيادة وجدنا إضافة: قال المرّوذي: سألته-يعني أحمد بن حنبل رحمه الله الذي كان أحد الذين وثقوه- عن ابن عجلان فقال: ثقة. قلت: إن يحيى قد ضعفه.
ذكرنا فيما سبق من وثّقوه.
هل المقصود يحيى بن معين أم يحيى بن سعيد؟
قد مر معنا في السابق أن يحيى بن معين قد وثقه، لكن يحيى بن معين أحياناً يكون له أكثر من قول في الرجل.
قال-أي الإمام أحمد-: كان ثقة إنما اضطرب عليه حديث المقبري، كان عن رجلٍ جعل يصيِّره عن أبي هريرة.
شفت التفصيل الآن؟
هذا التفصيل يحل لك الإشكال السابق. فالظاهر أن الاختلاط حصل في حديث سعيد المقبري خاصة.
على كلٍّ من قال أنا أتوقف في أحاديث أبي هريرة كلها لأننا لا ندري ما هو من حديث سعيد وما هو من حديث غيره، فالكلام قريب. وهذا الكلام مذكور في "شرح علل الترمذي" لابن رجب، وفي "الثقات" لابن حبان.
وقال يحيى بن سعيد: مضطرب الحديث في حديث نافع.
إذاً صار عندنا العقيلي والظاهر أن العقيلي أخذها عن يحيى بن سعيد الذي قرر أنه مضطرب في حديث نافع.
انتهينا الآن من موضوع ابن عجلان وفهمنا الخلاصة: هو مضطرب في حديث أبي هريرة وحديث نافع.
إذاًهذه خلاصة ابن عجلان.
هل هذا الحديث الذي معنا من حديث نافع؟ لا.
هل هو من حديث سعيد المقبري؟ لا.
هو من حديث أبي هريرة، لكن كما ذكرنا، وكما نص عليه الإمام أحمد أن الروايات المضطربة هي روايات سعيد المقبري، فتارة كان يجعلها عن أبي هريرة، وتارة يجعلها عن رجلٍ.
فإذاً المقصود ليست جميع أحاديث أبي هريرة، وإنما هي التي من طريق سعيد المقبري.
وكما ذكرنا الأمر يبقى فيه إشكال من حيث رواياته لحديث أبي هريرة، وهذا الحديث الذي معنا منها.
بالنسبة للسماع:
صرَّح ابن عجلان بالسماع من القعقاع في أسانيد صحيحة فلا غبار على هذا.
أما (القعقاع): فهو القعقاع بن حكيم الكناني المدني وثَّقه أحمد وابن معين وقال أبو حاتم: ليس بحديثه بأس. وذكره ابن حبان في "الثقات" فهو ثقة.
روايته عن أبي صالح في صحيح مسلم صرَّح بالتحديث في أسانيد صحيحة.
قد أخرج له مسلم والأربعة
أما (أبو صالح): فهو ذكوان السَّمّان الزيَّات المدني. قال الحافظ: ثقة ثبت. وروايته عن أبي هريرة في الصحيحين. أخرج له الجماعة.
وأما (أبو هريرة): فهو الدوسي الصحابي الجليل مختلف في اسمه، أجمع أهل الحديث على أنه أكثر الصحابة حديثاً. لذلك فمن طعن فيه فإنما أراد الطعن في الإسلام. قال الإمام الشافعي والإمام البخاري: أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في دهره. من مناقبه أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا له ولأمه قال: اللهم حبِّب عُبَيْدَك هذا-يعني أبا هريرة- وأمه إلى عبادك المؤمنين وحبِّب إليهم المؤمنين. قال أبو هريرة: فما خُلق مؤمن يسمع بي ولا يراني إلا أحبني" أخرجه مسلم في صحيحه.
أما رجال الإسناد الثاني:
فـ (يونس): يونس هو محمد بن مسلم البغدادي أبو محمد المؤدب، ثقة ثبت، أخرج له الجماعة.
و(الليث): هو الليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي أبو الحارث المصري الإمام المشهور، ثقة ثبت فقيه إمام مشهور حافظ.
رجال الإسناد الثالث:
(قتيبة): هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف الثقفي أبو رجاء البغلاني. قال الحافظ: ثقة ثبت. أخرج له الجماعة.
ثم قال شيخنا رحمه الله: (هذا حديث حسن):-أي لذاته-، وإلا فالحديث صحيح متواتر، ولكن الشيخ رحمه الله اقتصر على الحكم على ذات الحديث دون النظر إلى شواهده، وهو عمل كثير من المحدثين. يعرف ذلك من مارس علم الحديث، وأما من اقتصر على دراسة كتب المصطلح ربما أنكر هذا الفعل. والله المستعان.
تخريج الحديث:
الحديث أخرجه الطبري في "تهذيب الآثار" وابن حبان في صحيحه وغيرهما عن محمد بن عجلان به. وروي عن أبي هريرة من أوجه أخرى بزيادات فيه، توسع ابن عساكر في ذكرها في "تاريخ دمشق". وله شواهد كثيرة ذكر بعضها شيخنا الوادعي في هذا الكتاب وذكر مجموعة منها في الصحيح المسند من دلائل النبوة، وكذا فعل ابن عساكر في "تاريخ دمشق" والطبري في "تهذيب الآثار" والألباني في "الصحيحة".
بالنسبة للسماع: صرَّح ابن عجلان بالسماع من القعقاع في أسانيد صحيحة فلا غبار على هذا.
أما (القعقاع): فهو القعقاع بن حكيم الكناني المدني وثَّقه أحمد وابن معين وقال أبو حاتم: ليس بحديثه بأس. وذكره ابن حبان في الثقات فهو ثقة.
روايته عن أبي صالح في صحيح مسلم صرَّح بالتحديث في أسانيد صحيحة.
قد أخرج له مسلم والأربعة
أما (أبو صالح): فهو ذكوان السَّمّان الزيَّات المدني. قال الحافظ: ثقة ثبت. وروايته عن أبي هريرة في الصحيحين. أخرج له الجماعة.
وأما (أبو هريرة): فهو الدوسي الصحابي الجليل مختلف في اسمه، أجمع أهل الحديث على أنه أكثر الصحابة حديثاً. لذلك فمن طعن فيه فإنما أراد الطعن في الإسلام. قال الإمام الشافعي والإمام البخاري: أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في دهره. من مناقبه أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا له ولأمه قال: اللهم حبِّب عُبَيْدَك هذا-يعني أبا هريرة- وأمه إلى عبادك المؤمنين وحبِّب إليهم المؤمنين. قال أبو هريرة: فما خُلق مؤمن يسمع بي ولا يراني إلا أحبني" أخرجه مسلم في صحيحه.
(عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يزال لهذا الأمر" أو "على هذا الأمر عصابة على الحق -يعني جماعة على الحق-، ولا يضرهم خلاف من خالفهم حتى يأتيهم أمر الله".): هذا قد تقدم شرحه وبيانه بالتفصيل في الحديث الأول وسيأتي إن شاء الله الحديث الذي بعده أيضاً حول هذا الأمر.
أما رجال الإسناد الثاني:
فـ (يونس): يونس هو محمد بن مسلم البغدادي أبو محمد المؤدب، ثقة ثبت، أخرج له الجماعة.
و(الليث): هو الليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي أبو الحارث المصري الإمام المشهور، ثقة ثبت فقيه إمام مشهور حافظ.
رجال الإسناد الثالث:
(قتيبة): هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف الثقفي أبو رجاء البغلاني. قال الحافظ: ثقة ثبت. أخرج له الجماعة.
ثم قال شيخنا رحمه الله: (هذا حديث حسن):-أي لذاته-، وإلا فالحديث صحيح متواتر، ولكن الشيخ رحمه الله اقتصر على الحكم على ذات الحديث دون النظر إلى شواهده، وهو عمل كثير من المحدثين. يعرف ذلك من مارس علم الحديث، وأما من اقتصر على دراسة كتب المصطلح ربما أنكر هذا الفعل. والله المستعان.
تخريج الحديث:
الحديث أخرجه الطبري في "تهذيب الآثار" وابن حبان في صحيحه وغيرهما عن محمد بن عجلان به. وروي عن أبي هريرة من أوجه أخرى بزيادات فيه، توسع ابن عساكر في ذكرها في "تاريخ دمشق". وله شواهد كثيرة ذكر بعضها شيخنا الوادعي في هذا الكتاب وذكر مجموعة منها في "الصحيح المسند من دلائل النبوة"، وكذا فعل ابن عساكر في "تاريخ دمشق" والطبري في "تهذيب الآثار" والألباني في "الصحيحة".
إلى هنا نكتفي بهذا القدر اليوم والحمد لله رب العالمين