الاثنين، 11 مايو 2015

التقليل من شأن العلماء بدعوى عدم فقه الواقع

سئل فضيلة الشيخ العثيمينرحمه الله-: يقع من بعض الناسهداهم الله تعالىالتقليل من شأن العلماء بدعوى عدم فقه الواقع، فما توجيه سماحتكم جزاكم الله خيرًا ووفقكم لما يحبه ويرضاه؟
فأجاب بقولهلاشك أن فقه الواقع أمر مطلوب، وأن الإنسان لا ينبغي أن يكون في عزلة عما يقع حوله وفي بلده، بل لابد أن يفقه لكن لا ينبغي بأي حال من الأحول أن يكون الاشتغال بفقه الواقع مشغلاً عن فقه الشريعة والدين، الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم -: " من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين " (1) ، لم يقليفقهه في الواقع، فإذا كان عند الإنسان علم بما يقع حوله لكنه قد صرف جهده وجل أمره إلى الفقه في دين الله، فهذا طيب، أما أن ينشغل بالواقع والتفقه فيهكما زعم والاستنتاجات التي يخالفها ما يقع فيما بعد؛ لأن كثيرًا من المشتغلين بفقه الواقع يقدمون حسب ما تمليه عليهم مخيلتهم، ويقدرون أشياء يتبين أن الواقع بخلافها، فإذا كان فقه الواقع لا يشغله عن فقه الدين، فلا بأس به، لكن لا يعني ذلك أن نقلل من شأن علماء يشهد لهم بالخير وبالعلم وبالصلاح لكنهم يخفى عليهم
__________
(1) رواه البخاري/كتاب العلم/باب من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين، برقم (71) ، ومسلم/كتاب الزكاة/باب النهي عن المسألة، برقم (1037) .
بعض الواقع، فإن هذا غلط عظيم، فعلماء الشريعة أنفع للمجتمع من علماء فقه الواقع.
ولهذا تجد بعض الذين عندهم اشتغال كثير في فقه الواقع وانشغال عن فقه الدين لو سألتهم عن أدنى مسألة في دين الله عز وجل لوقفوا حيارى، أو تكلموا بلا علم، يتخبطون تخبطًا عشوائيًا.
والتقليل من شأن العلماء الراسخين في العلم المعروفين بالإيمان والعلم الراسخ جناية، ليس على هؤلاء العلماء بأشخاصهم، بل على ما يحملونه من شريعة الله تعالى أيضًا، ومن المعلوم أنه إذا قلَّت هيبة العلماء، وقلت قيمتهم في المجتمع فسوف يقل بالتبع الأخذ عنهم، وحينئذ تضيع الشريعة التي يحملونها أو بعضها، ويكون في هذا جناية عظيمة على الإسلام وعلى المسلمين أيضًا.
والذي أرى أنه ينبغي أن يكون عند الإنسان اجتهاد بالغ، ويصرف أكبر همه في الفقه في دين اللهعز وجلوأن يعرف ما حوله من الأمور التي يعملها أعداء الإسلام للإسلام.
ومع ذلك أكرر أنه لا ينبغي للإنسان أن يصرف جل همه ووقته للبحث عن الواقع، بل أهم شيء أن يفقه في دين الله عز وجل وأن يفقه من الواقع ما يحتاج إلى معرفته فقطوكما أشرت سابقًا في أول
الجوابأن من فقهاء الواقع من أخطئوا في ظنهم وتقديراتهم
وصار المستقبل على خلاف ما ظنوا تمامًا.
لكن هم يقدرون ثم يبنون الأحكام على ما يقدرونه فيحصل بذلك الخطأ، وأنا أكرر أنه لابد أن يكون الفقيه بدين الله عنده شيء من فقه أحوال الناس وواقعهم حتى يمكن أن يطبق الأحكام
الشريعة على مقتضى ما فهم من أحوال الناس، ولهذا ذكر العلماء في باب القضاءأن من صفات القاضي أن يكون عارفًا بأحوال الناس ومصطلحاتهم في كلامهم وأفعالهم.
وقال رحمه الله في سؤال آخر وُجِّه إليه
أما ما يقدح به بعض الناس في العلماء الكبار من أنهم لا يفقهون الواقع، فلا شك أن هذا من باب الافتراء، ومن باب قفو ما ليس له به علم.
فهل هم ناقشوا هؤلاء العلماء ووجدوا أنه ليس عندهم فهم للواقع؟
وهل الفقه الذي يُحمد عليه الإنسان أن يفقه الواقع؟
كم من إنسان كافرٍ ملحدٍ في الدول الغربية أو غيرها عنده من معرفة أحوال الواقع ما ليس عند كثير من الناس، فهل يحمد الإنسان على مجرد أن عنده علماً من الواقع؟!
فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: "من يُرِد الله به خيراً يفقهه في الدين" (1) ولم يذكر فقه الواقع، فالفقه الذي يُحمد عليه الإنسان هوالفقه في الدين.
ونقول أيضاًالفقه في الواقع يقع من إنسان عابد لله عز وجل معظم لله، ويقع ممن ليس في قلبه دين إطلاقاً، وهذا شيء مشاهد.
ولو نظرنا في كلام الساسة مما ينشر في الإذاعات ويقرأ في
__________
(1) رواه البخاري/كتاب العلم/باب من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين/برقم (71) ، ومسلم/كتاب الزكاة/باب النهي عن المسألة/برقم (1037) .
الصحف، لوجدوا عندهم من معرفة الواقع ما لا يوجد عند كثير من المسلمين.
ثم إن دعوىأن العلماء الكبار لا يفقهون الواقعقول بغير حق، أو لأن العلماء صامتون، ويرون أنه من الحكمة أن لا يُثار الشعب على الولاة.
فمنْ يصف العلماء بأنهم لم يفقهوا الواقع، هل ناقشهم؟
فقد يكون عند العلماء من علم الواقع ما ليس عند منْ وصفهم بقلة فقه الواقع الذي قد انغر به من انغر من الناسوالله المستعان.
مجموع فتاوى ورسائل العثيمين


التحذير من الدعاة الذين فُتنوا بالتحليلات السياسية ولم ينقادوا لكلام العلماء

سئل العلَّامة عبد المحسن العباد حفظه الله
السؤال
الدعاة الذين فتنوا بالتحليلات السياسية والحديث عن فقه الواقع، وناقشهم العلماء في ذلك ولم يرجعوا، هل يحذر منهم ومن أشرطتهم، وهل يصرح بأسمائهم ويوصفون بالبدعة؟
الجواب
نعم، يحذر منهم، فالذين يركبون رءوسهم ويتكلمون في أهل العلم، ويحصل منهم كلام في الولاة مما يترتب عليه فتن، ويترتب عليه أمور منكرة، لاشك أن الابتعاد عن أشرطتهم والاشتغال بما هو مأمون الجانب أولى، وكما أسلفت فإن على الإنسان أن يشغل نفسه بما فيه السلامة، وأما الإنسان الذي عنده خلط واشتباه، فيستغنى عما عنده بالكتب والأشرطة التي هي مأمونة الجانب، فالذين هذا شأنهم وطريقتهم لاشك أنه يحذر منهم، ولا يشتغل بكلامهم، وإنما يشتغل بكلام أهل العلم المأمونين الذين يدعون إلى الله عز وجل على بصيرة ويحذرون من الفتن وأسبابها، ومن الوقوع فيها.
شرح سنن أبي داود للعباد(517/23)