الثلاثاء، 26 مايو 2015

فائدة في قول الله تعالى: واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه


فائدة في قول الله تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ}


قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى(11/59):
وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُفَهِيَ عَامَّةٌ فِيمَنْ تَنَاوَلَهُ هَذَا الْوَصْفُ؛ مِثْلُ الَّذِينَ يُصَلُّونَ الْفَجْرَ وَالْعَصْرَ فِي جَمَاعَةٍ فَإِنَّهُمْ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ سَوَاءٌ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ أَوْ غَيْرِهِمْ أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ بِالصَّبْرِ مَعَ عِبَادِهِ الصَّالِحِينَ؛ الَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَأَلَّا تَعْدُوَ عَيْنَاهُ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَاوَهَذِهِ الْآيَةُ فِي الْكَهْفِ وَهِيَ سُورَةٌ مَكِّيَّةٌوَكَذَلِكَ الْآيَةُ الَّتِي فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ} .


وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ نَزَلَتَا فِي الْمُؤْمِنِينَ الْمُسْتَضْعَفِينَ لَمَّا طَلَبَ الْمُتَكَبِّرُونَ أَنْ يُبْعِدَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ فَنَهَاهُ اللَّهُ عَنْ طَرْدِ مَنْ يُرِيدُ وَجْهَ اللَّهِ وَإِنْ كَانَ مُسْتَضْعَفًا ثُمَّ أَمَرَهُ بِالصَّبْرِ مَعَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ إلَى الْمَدِينَة وَقَبْلَ وُجُودِ الصُّفَّةِ؛ لَكِنْ هِيَ مُتَنَاوِلَةٌ لِكُلِّ مَنْ كَانَ بِهَذَا الْوَصْفِ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ وَغَيْرِهِمْ. وَالْمَقْصُودُ بِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ الْمُتَّقِينَ الَّذِينَ هُمْ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ وَإِنْ كَانُوا فُقَرَاءَ ضُعَفَاءَ وَلَا يَتَقَدَّمُ أَحَدٌ عِنْدَ اللَّهِ بِسُلْطَانِهِ وَمَالِهِ وَلَا بِذُلِّهِ وَفَقْرِهِ وَإِنَّمَا يَتَقَدَّمُ عِنْدَهُ بِالْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ فَنَهَى اللَّهُ نَبِيَّهُ أَنْ يُطِيعَ أَهْلَ الرِّيَاسَةِ وَالْمَالِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ إبْعَادَ مَنْ كَانَ ضَعِيفًا أَوْ فَقِيرًا وَأَمَرَهُ أَلَّا يَطْرُدَ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ يُرِيدُ وَجْهَهُ وَأَنْ يَصْبِرَ نَفْسَهُ مَعَهُمْ فِي الْجَمَاعَةِ الَّتِي أَمَرَ فِيهَا بِالِاجْتِمَاعِ بِهِمْ كَصَلَاةِ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ وَلَا يُطِيعَ أَمْرَ الْغَافِلِينَ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ الْمُتَّبِعِينَ لِأَهْوَائِهِمْ.