الأربعاء، 20 نوفمبر 2013

لابد من الدعوة إلى الله على بصيرة وأن تكون خالصة لوجه الله عزّ وجلّ، ويكون القصد منها إقامة شرع الله، والقصد منها هداية الناس ونفع الناس


قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله في شرحه لكتاب التوحيد(1/101-102) وعند قول المؤلف: وقول الله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ} الآية: 
{أَدْعُو إِلَى اللهِ} قال الشيخ رحمه الله: "فيه التنبيه على الإخلاص، فإن بعض الناس إنما يدعو إلى نفسه" فقد يكون الإنسان يدعو، ويحاضر ويخطب، لكن قصده من ذلك أنه يتبيّن شأنه عند الناس، ويصير له مكانة، ويمدح من الناس، ويتجمهرون
عليه، ويكثرون حوله، فإذا كان هذا قصده، فهو لم يدع إلى الله، وإنما يدعو إلى نفسه والإنسان الذي يترك الدعوة فإنه ترك واجباً عظيماً، والإنسان الذي لم يُخلص في الدعوة يقع في محظور عظيم، بل لا بد من الدعوة وأن تكون خالصة لوجه الله عزّ وجلّ، ويكون القصد منها إقامة شرع الله، والقصد منها هداية الناس ونفع الناس، مدحوك أو ذمُّوك، فبعض الناس، إذا لم يُمدح ويشجّع تَرَكَ الدعوة، وهذا دليل على أنه لا يدعو إلى الله، وإنما يدعو إلى نفسه، فليتنبّه المسلم ويكون رائده وقصده من دعوته هو الإخلاص لوجه الله عزّ وجلّ، ونفع الناس، وتخليصهم من الشرك، ومن البدع، ومن المخالفات، وأن يؤدي الواجب الذي عليه، والكثرة حول الشخص لا تدل على فضله، بعض الأنبياء لم يتبعه إلاَّ القليل: "النبي ومعه الرهط، والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي وليس معه أحداً"، هل هذا يدل على عدم فضل هذا النبي؟، لا، حاشا وكلاّ، فالإنسان لا ينظر إلى كثرة الحاضرين، "لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حُمُر النعم".
اجتمع الناس على باب ابن مسعود رضي الله عنه وهو يريد الخروج إلى الصلاة فلما خرج ومشوا خلفه، التفت إليهم وقال: "ارجعوا، فإنه فتنة للمتبوع، ذِلّة للتابع".
{أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ} البصيرة معناها: العلم، بل هي أعلى درجات العلم.
وفي هذا دليل على أنه يُشترط في الداعية أن يكون على بصيرة، أي: على علم بما يدعو إليه، أما الجاهل فلا يصلح للدعوة، بل لابد أن يتزوّد بالعلم قبل أن يَشْرَع في الدعوة، لأنه في دعوته يتعرض إلى شبهات ومناظرات، فمن أين يجيب إذا وقف في وجه معاند أو معارض أو مشبِّه، كيف يستطيع الخلاص. إنه يفشل، ويصير نَكْسَة على الدعوة، أو يجيب بجهل ويكون الأمر أخطر، إما أن يسكت عن الجواب وينتصر عليه الخصم، وإما أن يجيب بجهل فيكون الأمر أخطر. هذا من ناحية. والناحية الثانية: أن الداعية يحتاج إلى معرفة الحلال والحرام، فقد يقول بجهله هذا الشيء حرام وهو حلال، وقد يقول بجهله: هذا الشيء حلال وهو حرام، فالداعية يجب أن يكون على علم بما يدعو إليه، بحيث أنه يعرف الحلال والحرام، ويعرف الواجب والمستحب والمحرّم والمكروه والمباح، ويعرف كيف يجيب على الاعتراضات والشبه والمجادلات، كما قال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} ، كيف يستطيع أن يجادل بالتي هي أحسن وهو ليس عنده علم؟!، فيُشترط في الداعية: أن يتأهل بالعلم، فإن بعض الدعاة اليوم ليس عندهم علم، وإنما يجيد الكلام والشَّقْشَقَة والخطابة، لكن ليس عنده علم، بحيث لو عرضت له أدنى شُبهة، أو سئل عن أدنى مسألة في الحرام والحلال تخبّط فيها.
{أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} أي: وأتباعي يدعون إلى الله على بصيرة، فدلّ على أن من لم يدع إلى الله لم يحقق اتباع الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأن من دعا إلى الله على جهل لم يحقق اتباع الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بل إنه أدخل نفسه فيما ليس من شأنه، وصار خطراً على الدعوة، وعلى الدعاة.