الاثنين، 15 ديسمبر 2014

حكم مس المصحف للحائض ومكثها في المسجد

سئل الإمام الوادعي رحمه الله: ما حكم مس المصحف للمرأة الحائض من غير حائل ؟ وكذلك ما حكم دخول المسجد أيضاً للمرأة الحائض والنفاس ؟
الجواب :الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه ومن والاه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً ًعبده ورسوله ، أما بعد :فحكم مس المصحف للحائض بدون حائل أنه جائز لعدم ورود الدليل الصحيح في ذلك وأما قوله تعالى:
[ لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ] [الواقعة/79].فالمراد بهم الملائكة ، كما قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم : ( وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ) ( الشعراء210).أي بالقرآن :
( وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ* إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ) [الشعراء/211، 212]نعم والإمام مالك رحمه الله تعالى يقول في موطئه :إن أحسن ما فسِّر به هذه الآية وهي قوله :
[ لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ] [الواقعة/79].أحسن ما فسِّر به هو قوله تعالى :
[ كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ * فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ * فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ * مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ * بِأَيْدِي سَفَرَةٍ * كِرَامٍ بَرَرَةٍ ] [عبس/11-16].والمراد بهم في هذه الآية الملائكة ، وكذلك أيضاً آية الواقعة وهي [لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ] [الواقعة/79] المراد بهم الملائكة , والله سبحانه وتعالى أعلم .

هذا ، وأما دخول المسجد للحائض : فلا أعلم دليلاً من الكتاب والسنة يمنع من ذلك وحديث (إني لا أُحِل المسجد لحائض ولا جنب ) هذا الحديث ضعيف ، والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول لعائشة (إن حيضتك ليست في يدك ) .ويقول أيضاً لها (افعلِي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت).نعم وكان هناك امرأة لها خيمة في المسجد وتبيت في المسجد والمرأة هي من النساء ,يأتيها ما يأتي النساء ، فما قال لها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا جاءتك الحيضة فاخرجِي، فيه دليل على أنه يجوز للمرأة أن تدخل المسجد وهي حائض وهكذا وهي نفَساء.والله سبحانه وتعالى أعلم .

(كتاب عناقيد الكرامة بالإجابة على أسئلة نساء أهل تهامة)

قال العلامة العثيمين رحمه الله في تعليقاته على الكافي لابن قدامة(1/153): وأما مس المصحف فكما رأيتم استدل المؤلف بالآية(لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) الآية ليس فيها دليل على ذلك لأن الضمير في قوله (لا يَمَسُّهُ) يعود إلى الكتاب المكنون قال الله تعالى (فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) (الواقعة:79) أي لا يمس هذا الكتاب المكنون إلا المطهرون وأيضا الآية (إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) (الواقعة: من الآية79) ولم يقل إلا المطَّهرون والمطَّهر هو الذي طهَّره غيره وهذا لا ينطبق إلا على الملائكة فليس فيه دليل...

(تنبيه: لا يُفهم من كلام الشيخ العثيمين رحمه الله أنه يجيز مس المصحف بغير طهارة فالشيخ قال لاحقاً:ونحن لا ننازع في أنه لا يجوز مس المصحف إلا بوضوء ولكن ننازع في الاستدلال بهذا والصحيح أن حديث عمرو بن حزم(1) دال على ذلك على أنه لا يمس القرآن إلا من هو طاهر من الحدث الأصغر والأكبر. )
________________
(1):   حديث عمرو بن حزم : لا تَمَسُّ القرآنَ إلَّا وأنْتَ طاهِرٌ.  قال الإمام الألباني رحمه الله في ضعيف الجامع(6276): ضعيف جداً.

وسئل الإمام الألباني رحمه الله: بعض النسوة حائضات، يسألن ، هل يجوز لهن الحضور لدرس الجمعة ، ودرس السبت مثلاً ، والأحد ، وهن حيض ، هل يجوز لهن الحضور داخل المسجد ؟.الشيخ: نعم يجوز لهن ذلك ، لأن الحيض لا يمنع امرأة من حضور مجالس العلم ، ولو كانت في المساجد ، لأن دخول المرأة المسجد ، في الوقت الذي لا يوجد دليل يمنع منه ، فهناك على العكس من ذلك ، ما يدل على الجواز.ومن هذه الأدلة ، حديثان للسيدة عائشة رضي الله تعالى عنها:الأول: حينما حجت مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وفاجأها الحيض ، وهي نازلة في مكان قريب من مكة اسمه (سَرِفْ) ، دخل عليها النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ووجدها تبكي ، قال لها:« ما لك، أنَفِسْت ؟. ، أو نُفِسْتِ ؟». ، قالت: نعم يا رسول الله ، قال:« هذا أمر كتبه الله عز وجل على بنات آدم ، فاصنعي ما يصنع الحاج ، غير أن لا تطوفي ، ولا تصلي ».والشاهد من هذا الحديث ، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يمنعها من دخول أفضل المساجد ، وهو المسجد الحرام ، وإنما منعها من الصلاة ، والتطواف بالبيت.فإذاً فيه دليل أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جوَّز لها أن تدخل المسجد الحرام ، ولكن منعها من الصلاة ، والتَّطْواف الذي يدل على أنه يجوز للمرأة، هذا هو الحديث الأول الذي يدل على أنه يجوز للمرأة ، وهي حائض أن تدخل المسجد ، أي مسجد كان ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أباح للسيدة عائشة أن تدخل المسجد الحرام وهي حائض ، ولم يمنعها إلا من الصلاة ، والطواف بالبيت.فيكون حكم غير المسجد الحرام جائزاً من باب أولى.أما الحديث الثاني: فهو أيضاً كما ألمحت آنفاً ، من رواية السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها ، والحديث الأول في صحيح البخاري ، وحديثنا الثاني في صحيح مسلم ، قالت: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لها يوماً :« ناوليني الخُمرة من المسجد » ، فقالت: يا رسول الله إني حائض ، فقال عليه الصلاة والسلام:« إن حيضتك ليست في يدك ».والمقصود هنا بالحيضة ، هو دم الحائض ، فدم الحائض بلا شك هو نجس ، لكن الحائض هي نفسها ليست نجسة.فلا يلزم من خروج نجاسة ما ، من شخص ما ، أن يكون ذات الشخص نفسه نجسة.فإذاً يجوز للحُيَّض من النساء أن يحضرن مجالس العلم ، ولو كانت هذه المجالس في بيت من بيوت الله تبارك وتعالى.فهكذا يكون الحكم قائماً ، بالجواز بناء على هذين الحديثين الصحيحين.يضاف إلى ذلك القاعدة المعروفة عند العلماء ، وهي: ( أن الأصل في الأشياء الإباحة )، والأصل براءة الذمة إلا إذا قام الدليل على ما يخالف هذين الأصلين ، فكيف وقد قام الدليل على ما يوافق هذين الأصلين.وبذلك ينتهي الجواب عن السؤال ، بأنه يجوز للمرأة الحائض أن تدخل المسجد لسماع الدروس الدينية ، وسماع تلاوة القرآن ، ونحو ذلك.هذا جواب هذا السؤال. سلسلة الهدى والنور ـ الشريط رقم :(623 )