الأربعاء، 17 ديسمبر 2014

لو رجعنا إلى ما كان عليه أسلافنا من صدق المعاملة مع الله ومع عباد الله ليمكنن الله لنا في الأرض

قال العلامة محمد صالح العثيمين رحمه الله:

إذا تأملنا قول الله عز وجل: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} تبين لنا أن الذي يظهر إنما هو الدين، فمن قام بهذا الدين فإنه سوف يظهر على عدوه، لأن كل من تمسك بالدين فإنه لا بد أن يظهر على غيره من الذين تمسكوا بدين سواه ولقد قدم أبو سفيان إلى الشام قبل أن يسلم فيما بين صلح الحديبية وفتح مكة في جماعة له للتجارة فسمع بهم هرقل ملك الروم وكان قد سمع بخروج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأرسل إليهم ودعاهم إلى مقره ليسألهم عن حال هذا النبي فسألهم أسئلة ذكرها البخاري في صحيحه فلما أجابه أبو سفيان بما أجابه قال له أي هرقل: [إن كان ما تقول حقا فسيملك ما تحت قدمي هاتين] . تصور هذا الملك في ذلك الوقت ملك ذو سلطان على دولة تعتبر من أقوى الدول في ذلك الزمان الفرس والروم أقوي دولتين في ذلك الزمان في آسيا، هذا الملك يقول: إن كان ما تقول حقّا فسيملك ما تحت قدمي هاتين من يتصور أن هذا الرجل بهذه المكانة يقول عن محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي لم يستطع أن يرجع إلى مسقط رأسه؟ لكن الرجل عرف أن من هذا دينه فسيملك أقطار الدنيا، فلما خرج أبو سفيان مع قومه قال لهم: " لقد أمر أمُر ابن أبي كبشة إنه ليخافه ملك بني الأصفر" ومعنى" أمر أمر" أي عظم كما في قوله تعالى: {جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا} يعني جئت شيئا عظيما أمر أمره أي عظم أمره الذي يخافه هذا الملك فهل كان ما توقعه ملك الروم والجواب نعم إن النبي صلى الله عليه وسلم ملك ما تحت قدميه لكنه لم يملكه بشخصه في حياته بل ملكته دعوته ملكته أمته الذين دعوا بدعوته وأصلحوا الناس برسالته حتى ملكوا مشارق الأرض ومغاربها وإني والله واثق كل الثقة أن لو رجعنا إلى ما كان عليه أسلافنا من صدق المعاملة مع الله ومع عباد الله ليمكنن الله لنا في الأرض وأننا ما خُذلنا إلا بأسباب ما نحن عليه من المخالفات في الواجبات والوقوع في المحرمات ليشمل ذلك الذكور والإناث، الصغير والكبير إلا من عصم الله ولكن العبرة بالأمة لا بالفرد الواحد فإن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك الله أن يعمهم بعقاب.
المصدر
مجموع فتاوى ورسائل العثيمين