الأربعاء، 10 ديسمبر 2014

من يَفْعَلُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ: مِثْلَ طَعَامِ النَّصَارَى فِي النَّيْرُوزِ. وَيَفْعَلُ سَائِرَ الْمَوَاسِمِ مِثْلَ الْغِطَاسِ وَالْمِيلَادِ وَخَمِيسِ الْعَدَسِ وَسَبْتِ النُّورِ وَمَنْ يَبِيعُهُمْ شَيْئًا يَسْتَعِينُونَ بِهِ عَلَى أَعْيَادِهِمْ أَيَجُوزُ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَفْعَلُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ؟ أَمْ لَا؟

سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عَمَّنْ يَفْعَلُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ: مِثْلَ طَعَامِ النَّصَارَى فِي النَّيْرُوزِ. وَيَفْعَلُ سَائِرَ الْمَوَاسِمِ مِثْلَ الْغِطَاسِ وَالْمِيلَادِ وَخَمِيسِ الْعَدَسِ وَسَبْتِ النُّورِ وَمَنْ يَبِيعُهُمْ شَيْئًا يَسْتَعِينُونَ بِهِ عَلَى أَعْيَادِهِمْ أَيَجُوزُ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَفْعَلُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ؟ أَمْ لَا؟

فَأَجَابَ:

الْحَمْدُ لِلَّهِ، لَا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَتَشَبَّهُوا بِهِمْ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَخْتَصُّ بِأَعْيَادِهِمْ لَا مِنْ طَعَامٍ وَلَا لِبَاسٍ وَلَا اغْتِسَالٍ وَلَا إيقَادِ نِيرَانٍ وَلَا تَبْطِيلِ عَادَةٍ مِنْ مَعِيشَةٍ أَوْ عِبَادَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. وَلَا يَحِلُّ فِعْلُ وَلِيمَةٍ وَلَا الْإِهْدَاءُ وَلَا الْبَيْعُ بِمَا يُسْتَعَانُ بِهِ عَلَى ذَلِكَ لِأَجْلِ ذَلِكَ. وَلَا تَمْكِينُ الصِّبْيَانِ وَنَحْوِهِمْ مِنْ اللَّعِبِ الَّذِي فِي الْأَعْيَادِ وَلَا إظْهَارُ زِينَةٍ. وَبِالْجُمْلَةِ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَخُصُّوا أَعْيَادَهُمْ بِشَيْءٍ مِنْ شَعَائِرِهِمْ بَلْ يَكُونُ يَوْمُ عِيدِهِمْ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ كَسَائِرِ الْأَيَّامِ لَا يَخُصُّهُ الْمُسْلِمُونَ بِشَيْءٍ مِنْ خَصَائِصِهِمْ
.
وَأَمَّا إذَا أَصَابَهُ الْمُسْلِمُونَ قَصْدًا فَقَدْ كَرِهَ ذَلِكَ طَوَائِفُ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ. وَأَمَّا تَخْصِيصُهُ بِمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فَلَا نِزَاعَ فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ. بَلْ قَدْ ذَهَبَ طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ إلَى كُفْرِ مَنْ يَفْعَلُ هَذِهِ الْأُمُورَ لِمَا فِيهَا مِنْ تَعْظِيمِ شَعَائِرِ الْكُفْرِ. وَقَالَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ: مَنْ ذَبَحَ نَطِيحَةً يَوْمَ عِيدِهِمْ فَكَأَنَّمَا ذَبَحَ خِنْزِيرًا. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ العاص: مَنْ [تَأَسَّى] بِبِلَادِ الْأَعَاجِمِ وَصَنَعَ نيروزهم وَمَهْرَجَانَهُمْ وَتَشَبَّهَ بِهِمْ حَتَّى يَمُوتَ وَهُوَ كَذَلِكَ حُشِرَ مَعَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ قَالَ: {نَذَرَ رَجُلٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَنْحَرَ إبِلًا ببوانة فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إنِّي نَذَرْت أَنْ أَنْحَرَ إبِلًا ببوانة فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ كَانَ فِيهَا مِنْ وَثَنٍ يُعْبَدُ مَنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْثَانِ الْجَاهِلِيَّةِ؟ قَالَ: لَا قَالَ: فَهَلْ كَانَ فِيهَا عِيدٌ مِنْ أَعْيَادِهِمْ؟ قَالَ: لَا. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْفِ بِنَذْرِك فَإِنَّهُ لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ} فَلَمْ يَأْذَنْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِهَذَا الرَّجُلِ أَنْ يُوفِيَ بِنَذْرِهِ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْوَفَاءِ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا حَتَّى أَخْبَرَهُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِهَا عِيدٌ مِنْ أَعْيَادِ الْكُفَّارِ وَقَالَ: {لَا وَفَاء لنذر في مَعْصِيَةِ اللَّهِ} . فَإِذَا كَانَ الذَّبْحُ بِمَكَانٍ كَانَ فِيهِ عِيدُهُمْ مَعْصِيَةً. فَكَيْفَ بِمُشَارَكَتِهِمْ فِي نَفْسِ الْعِيدِ؟ بَلْ قَدْ شَرَطَ عَلَيْهِمْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَالصَّحَابَةُ وَسَائِرُ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ لَا يُظْهِرُوا أَعْيَادَهُمْ فِي دَارِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنَّمَا يَعْمَلُونَهَا سِرًّا فِي مَسَاكِنِهِمْ. فَكَيْفَ إذَا أَظْهَرَهَا الْمُسْلِمُونَ أَنْفُسُهُمْ؟ حَتَّى قَالَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " لَا تَتَعَلَّمُوا رَطَانَةَ الْأَعَاجِمِ وَلَا تَدْخُلُوا عَلَى الْمُشْرِكِينَ فِي كَنَائِسِهِمْ يَوْمَ عِيدِهِمْ فَإِنَّ السُّخْطَ يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ ". وَإِذَا كَانَ الدَّاخِلُ لِفُرْجَةٍ أَوْ غَيْرِهَا مَنْهِيًّا عَنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ السُّخْطَ يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ. فَكَيْفَ بِمَنْ يَفْعَلُ مَا يَسْخَطُ اللَّهُ بِهِ عَلَيْهِمْ مِمَّا هِيَ مِنْ شَعَائِرِ دِينِهِمْ؟ وَقَدْ قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ السَّلَفِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} قَالُوا أَعْيَادُ الْكُفَّارِ فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي شُهُودِهَا مِنْ غَيْرِ فِعْلٍ فَكَيْفَ بِالْأَفْعَالِ الَّتِي هِيَ مِنْ خَصَائِصِهَا. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُسْنَدِ وَالسُّنَنِ أَنَّهُ قَالَ: {مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ} وَفِي لَفْظٍ: {لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بِغَيْرِنَا} وَهُوَ حَدِيثٌ جَيِّدٌ. فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي التَّشَبُّهِ بِهِمْ وَإِنْ كَانَ
مِنْ الْعَادَاتِ فَكَيْفَ التَّشَبُّهُ بِهِمْ فِيمَا هُوَ أَبْلَغُ مِنْ ذَلِكَ؟! .

وَقَدْ كَرِهَ جُمْهُورُ الْأَئِمَّةِ - إمَّا كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ أَوْ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ - أَكْلَ مَا ذَبَحُوهُ لِأَعْيَادِهِمْ وَقَرَابِينِهِمْ إدْخَالًا لَهُ فِيمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَكَذَلِكَ نُهُوا عَنْ مُعَاوَنَتِهِمْ عَلَى أَعْيَادِهِمْ بِإِهْدَاءٍ أَوْ مُبَايَعَةٍ وَقَالُوا: إنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَبِيعُوا لِلنَّصَارَى شَيْئًا مِنْ مَصْلَحَةِ عِيدِهِمْ لَا لَحْمًا وَلَا دَمًا وَلَا ثَوْبًا وَلَا يُعَارُونَ دَابَّةً وَلَا يَعَاوَنُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ دِينِهِمْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ تَعْظِيمِ شِرْكِهِمْ وَعَوْنِهِمْ عَلَى كُفْرِهِمْ وَيَنْبَغِي لِلسَّلَاطِينِ أَنْ يَنْهَوْا الْمُسْلِمِينَ عَنْ ذَلِكَ. لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} . ثُمَّ إنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُعِينَهُمْ عَلَى شُرْبِ الْخُمُورِ بِعَصْرِهَا أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. فَكَيْفَ عَلَى مَا هُوَ مِنْ شَعَائِرِ الْكُفْرِ. وَإِذَا كَانَ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُعِينَهُمْ هُوَ فَكَيْفَ إذَا كَانَ هُوَ الْفَاعِلَ لِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَهُ أَحْمَد ابْنُ تَيْمِيَّة.
مجموع الفتاوى(٢٥/٣٢٩-٣٣٢)