الجمعة، 27 فبراير 2015

(صورة من محن الأئمة)

أنقلها من مقدمة المحقق(حلاق) لكتاب نيل الأوطار للإمام الشوكاني تسلية لكل من يعاني من أمثال هؤلاء!

قال الإمام الشوكاني رحمه الله في (بداية الطلب): وإني أخبرك أيها الطالب عن نفسي وعن الحوادث الجارية بيني وبين أهل عصري ليزداد يقينك وتكون على بصيرة فيما أرشدتك إليه... كنت بعد التمكن من البحث عن الدليل والنظر في مجاميعه أذكر في مجالس شيوخي ومواقف تدريسهم وعند الاجتماع بأهل العلم ما قد عرفته من ذلك لا سيما عند الكلام في شيء من الرأي مخالف الدليل أو عند ورود قول عالم من أهل العلم قد تمسك بدليل ضعيف وترك الدليل القوي أو أخذ بدليل عام وبعمل خاص أو بمطلق وطرح المقيد أو بمجمل ولم يعرف المبين أو بمنسوخ ولم ينتبه للناسخ أو بأول ولم يعرف بآخر أو بمحض رأي ولم يبلغه أن في تلك المسألة دليلا يتعين عليه العمل به فكنت إذا سمعت بشيء من هذا لا سيما في مواقف المتعصبين ومجامع الجامدين تكلمت بما بلغت إليه مقدرتي وأقل الأحوال أن أقول استدل هذا بكذا وفلان المخالف له بكذا ودليل فلان أرجح لكذا ، فمازال أسراء التقليد يستنكرون ذلك ويستعظمونه لعدم الفهم به وقبول طبائعهم له حتى ولد ذلك في قلوبهم من العداوة والبغضاء ما الله به عليم ثم كنت إذا فرغت من أخذ فن من الفنون أو مصنف من المصنفات على شيوخي أقبل جماعة من الطلبة إلي وعولوا علي في تدريسهم في ذلك
فكان يأخذ أترابي شيئا من الحسد الذي لا يخلو عنه إلا القليل ثم تكاثر الطلبة علي في علوم الاجتهاد وغيرها وأخذوا عني أخذا خاليا عن التعصب سالما من الاعتساف فكنت أقرر لهم دليل كل مسألة وأوضح لهم الراجح فيها وأصرح لهم بوجوب المصير إلى ذلك وكانوا قد تمرنوا وعرفوا علوم الاجتهاد وذهب عنهم ما تكدرت به فطرهم من المغيرات
فزاد ذلك المخالفين عداوة وشناعة وحسدا وبغضا وأطلقوا ألسنتهم بذلك وكان مع ذلك ترد إلي أبحاث من جماعة من أهل العلم الساكنين بصنعاء وغيرهم من أهل البلاد البعيدة والمدائن النائية فأحرر الجوابات عليهم في رسائل مستقلة ويرغب تلامذتي لتحصيل ذلك وتنتشر في الناس فإذا وقف عليه المتعصبون ورأوه يخالف ما يعتقدون استشاطوا غضبا وعرضوا ذلك على من يرجون منه الموافقة والمساعدة فمن ثالب بلسانه ومعترض بقلمه وأنا مصمم على ما أنا فيه لا أنثني عنه ولا أميل عن الطريقة التي أنا فيها وكثيرا ما يرفعون ذلك إلى من لا علم عنده من رؤساء الدولة الذين لهم في الناس شهرة وصولة فكان في كل حين يبلغني من ذلك العجب ويناصحني من يظهر لي المودة ومن لا تخفى عليه حقيقة ما أقوله وحقيته مع اعترافهم بأن ما أسلكه هو ما أخذه الله على الذين حملوا الحجة لكنهم يتعللون بأن الواجب يسقط بدون ذلك ويذكرون أحوال أهل الزمان وما هم عليه وما يخشونه من العواقب فلا أرفع لذلك رأسا ولا أعول عليه...