الخميس، 26 ديسمبر 2013

الذين يستدلّون بهذه الآية على المجيء إلى قبر الرّسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والدعاء عنده، وطلب الاستغفار من الرّسول وهو ميّت، فهذا باطل

قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله في شرحه لكتاب التوحيد(2/125-126) وعند شرحه على قول الله تعالى: { وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَاؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ } [ النساء/64]: استغفار الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شفاعةٌ منه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وهذا في حياته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهو يستغفر للمذنبين والمسيئين، ويدعو للمسلمين في قضاء حوائجهم، فهو صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حياته يستغفر ويدعو للمسلمين، أما بعد مماته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلا يُذهب إلى قبره، ولا يُطلب منه الاستغفار ولا الدّعاء، لأنّ هذا انتهى بموته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكن بقي- ولله الحمد- كتابُ الله وسنّة رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيهما الخير، وفيهما البَرَكة، وما كان الصّحابة رضي الله عنهم يذهبون إلى قبره، ويطلبون منه ذلك.
أما الذين يستدلّون بهذه الآية على المجيء إلى قبر الرّسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والدعاء عنده، وطلب الاستغفار من الرّسول وهو ميّت، فهذا باطل، لأن الصّحابة رضي الله عنهم لم يفعلوا هذا، وهم أعلم الأمة وأحرص الأمة على الخير، وما كانوا يأتون إلى قبر الرّسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أشكل عليهم شيء، أو نزلت بهم نازلة، أو أصابهم قحط، أو انحباس مطر، أو أصابتهم شدّة من الشّدائد، ما كانت القرون المفضّلة يأتون إلى قبر الرّسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإنما يطلُبون من الله، وإذا كان فيهم أحدٌ من أهل الصلاح أو من قَرابة الرّسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طلبوا منه أن يدعوَ الله لهم، كما فعل عمر رضي الله عنه مع العبّاس بن عبد المطّلب- عمّ الرّسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمّا انحبس المطر واستسقوْا، قال عمر رضي الله عنه: "اللهم إنّا كنا نتوسّل إليك بنبيّك فتسقينا" يعني: يوم أنْ كان حيًّا- عليه الصّلاة والسلام، "وإنّا نتوسّل إليك بعمّ نبيّنا فاسقنا، ادع يا عبّاس".
هذا عمل الصّحابة رضي الله عنهم، ما كانوا يأتون إلى قبر الرّسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بل عدَلوا إلى العبّاس لأنّ العباس حيّ موجود بينهم والرّسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ميّت، والحي يقدر على الدعاء والاستغفار، والميت لا يقدر، ومن لم يفرّق بين الحي والميت فهو ميّت القلب.
وكذلك معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه لَمّا استسقى، طلب من أبي يزيد الجُرَشي أن يدعوَ الله، فدعا، هذا عمل الصّحابة، وهم أفقهُ الأمة وأعلم الأمة، ما كانوا يأتون إلى قبر الرّسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإنما كانوا إذا قدِموا من سفر يأتون إلى قبر الرّسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للزّيارة والسلام على الرّسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم ينصرفون، ما كانوا يأتون ويدعون عند القبر، أو يطلُبون من الرّسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشّفاعة، أو يطلُبون منه الاستغفار بعد موته هذا لا يجوز، لأنّه من وسائل الشّرك.