الأربعاء، 25 ديسمبر 2013

في هذا الحديث فضل عدمُ الظهور، وفضل الاختفاء بالأعمال الصالحة

قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله في شرحه لكتاب التوحيد(2/103) وعند شرحه على حديث: طوبى لعبدٍ آخذٍ بعِنان فرسه في سبيل الله، أشعث رأسه، مغبرّة قدماه، إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة، إنِ استأذن لم يؤذن له، وإن شفع لم يشفَّع":
"طوبى" قيل: إنها شجرة في الجنة ظلها مسيرة مائة عام منها ثياب أهل الجنة، وقيل: إنها الجنة نفسها، فالجنة يقال لها طوبى، فطوبى من أسماء الجنة أو شجرة فيها.
وهذا دعاء من الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهذا الشخص بأن يكون من أهل الجنة.
"لعبد آخذٍ بعِنان فرسه" العِنان: اللِّجام.
"في سبيل الله" يعني: للجهاد في سبيل الله، دائماً مُعِدٌّ نفسه ومُعِدٌّ فرسه للجهاد في سبيل الله، يترقّب الغزوات والسرايا، ويحب الجهاد في سبيل الله، ولا يحب الراحة والرفاهية، وإنما يحب الجهاد في سبيل الله، فهذا على أجر وإن لم يجاهد، لأن له ما نوى، ما دام أنه حبس نفسه وفرسه وأعدّ نفسه، فإنه في سبيل الله وإن لم يجاهد، لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنما الأعمال بالنيّات".
"أشعث رأسه، مغبرة قدماه" هذه الصفة الأولى لهذا العبد المجاهد لم يتفرغ للرفاهية ويعتني بنفسه عليه آثار الجهاد في سبيل الله من الشعث والغبار.
"إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة" هذه صفة ثانية، أي: أنه لا يبالي بنوع العمل الذي يشتغل فيه، بل يطيع وليّ الأمر وقائد الجيش، سواءٌ أمره أن يكون في الحراسة أو أمره أن يكون في الساقة- يعني: في آخر الجيش-، لا يقول: أكون مع أول النّاس، بل يمتثل الأوامر، ويطيع وليّ أمر المسلمين في الجهاد، ولا ينظر إلى مكانه هل هو مكان مشقة أو مكان راحة، هل هو مكان بروز، أو مكان خُمول، لأنه يجاهد لأجل الله سبحانه وتعالى.
"والحراسة": حماية الجيش من أن يهجم عليهم العدو، سواء بالليل أو في النهار يتطلّع إلى العدو، ويكون حارساً للجيش أن يُهجم عليه من الجهة المَخُوفة. "
"والساقة" آخر الجيش من أجل أن يتفقّد العاجز ويتفقّد من يحتاج إلى إعانة من المجاهدين، لأنه لا يريد لنفسه العز في الدنيا والظهور والبُروز أمام النّاس، ولا يريد لها الراحة والرفاهية، وإنما يريد الجهاد في سبيل الله على أيِّ سبيلٍ كان، لا يهمُّه في أيِّ موقع وقع ما دام أنّ هذا في الجهاد في سبيل الله وفي صالح المسلمين وفي طاعة وليّ الأمر.
وقوله: "إن استأذن لم يؤذن له، وإن شفع لم يشفع" أي: هو- أيضاً- غير معروف عند النّاس، لأنه لا يحب الظهور أمام النّاس، ولا يحب البُروز، لا يحب المدح، بل يحرص على الاختفاء، لأنه يعمل لله، ولكونه غير معروف إنِ استأذن للدخول على وُلاة الأمور، أو على السلاطين، أو على أصحاب الجاه، لم يُؤذن له، لأنه غير معروف، والنّاس إنما يأذنون للإنسان المعروف الذي له جاه وله مكانة. وهذا لا يضره عند الله سبحانه لأنه معروف عند الله عزّ وجلّ لأن الله يعلمه وبعلم مكانه.
"وإن شفع لم يشفع" إن توسط في قضاء حاجة أحد لم تقبل وساطته، وفي الحديث: "رب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبرّه "، فهو إنسان ما له هيئة عند النّاس، منظره ليس منظر صاحب هيئة، ومخبره أيضاً غير معروف عند النّاس، لكنه عند الله عزيز لأنه يعمل فيما بينه وبين الله بإخلاص، فلو أقسم على الله - يعني: لو حلف على الله- أن يُعطيه كذا وكذا لأبرّه- يعني: لأعطاه ما طلب مع أنه مدفوع بالأبواب عند النّاس.
هذه صفات هذا المؤمن، وهي باختصار:
أولاً: أنه مُعِدٌّ نفسه للجهاد، والجهاد دائماً يرغب فيه.
ثانياً: أنه لا يتفرغ لإصلاح هيئته من إصلاح شعره ودهنه وتجميل هيئته لأنه مشغول بالجهاد.
وثالثاً: أنه لا يبالي بالعمل الذي يتولاّه في الجهاد سواءً كان شاقًّا أو غير شاق، سواءً كان بارزاً أو غير بارز، لأنه يعمل لله، ولا يعمل من أجل الظهور، ومن أجل مراءاة النّاس.
رابعاً: أنه غير معروف عند النّاس وعند أصحاب الجاه، إنِ استأذن لم يُؤذن له في الدخول، وإن شفع لم يشفَّع، أي: إن توسَّط لأحد لم تُقبل وساطته، لأنه غير معروف.

فهذا فيه: فضل عدمُ الظهور، وفضل الاختفاء بالأعمال الصالحة.