السبت، 22 مارس 2014

علو الله عز وجل ينقسم إلى قسمين: علو معنوي, وعلو ذاتي

قال الشيخ العثيمين رحمه الله في شرح العقيدة الواسطية(387-393): اعلم أن علو الله عز وجل ينقسم إلى قسمين: علو معنوي, وعلو ذاتي:
1-أما العلو المعنوي؛ فهو ثابت لله بإجماع أهل القبلة؛ أي: بالإجماع من أهل البدع وأهل السنة؛ كلهم يؤمنون بأن الله تعالى عال علوا معنويا.
2-وأما العلو الذاتي؛ فيثبته أهل السنة, ولا يثبته أهل البدعة؛ يقولون: إن الله تعالى ليس عاليا علوا ذاتيا.
فنبدأ أولا بأدلة أهل السنة على علو الله سبحانه وتعالى الذاتي فنقول: إن أهل السنة استدلوا على علو الله تعالى علوا ذاتيا بالكتاب والسنة والإجماع والعقل والفطرة:
أولا: فالكتاب تنوعت دلالته على علو الله؛ فتارة بذكر العلو، وتارة بذكر الفوقية, وتارة بذكر نزول الأشياء من عنده، وتارة بذكر صعودها إليه، وتارة بكونه في السماء ...
1) فالعلو مثل قوله: {وهو العلي العظيم} [البقرة: 255] , {سبح اسم ربك الأعلى} [الأعلى: 1] .
2) والفوقية: {وهو القاهر فوق عباده} [الأنعام: 18] ، {يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون} [النحل:50] .
3) ونزول الأشياء منه؛ مثل قوله: {يدبر الأمر من السماء إلى الأرض} [السجدة: 5] , {إنا نحن نزلنا الذكر} [الحجر: 9] ... وما أشبه ذلك.

4) وصعود الأشياء إليه؛ مثل قوله: {إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه} [فاطر: 10] , ومثل قوله: {تعرج الملائكة والروح إليه} [المعارج: 4] .
5) كونه في السماء؛ مثل قوله: {أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض} [الملك: 16] .
ثانيا: وأما السنة فقد تواترت عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله وفعله وإقراره:
1) فأما قول الرسول عليه الصلاة والسلام:
فجاء بذكر العلو والفوقية, ومنه قوله صلى الله عليه وسلم "سبحان ربي الأعلى"، وقوله لما ذكر السماوات؛ قال: "والله فوق العرش" .
وجاء بذكر أن الله في السماء؛ مثل قوله صلى الله عليه وسلم: "ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء".

2) وأما الفعل؛ فمثل رفع أصبعه إلى السماء, وهو يخطب الناس في أكبر جمع, وذلك في يوم عرفة, عام حجة الوداع؛ فإن الصحابة لم يجتمعوا اجتماعا أكبر من ذلك الجمع؛ إذ إن الذي حج معه بلغ نحو مئة ألف, والذي مات عنهم نحو مئة وأربعة وعشرين ألفا: يعني: عامة المسلمين حضروا ذلك الجمع، فقال عليه الصلاة والسلام: "ألا هل بلغت؟ ". قالوا: نعم. "ألا هل بلغت؟ ". قالوا: نعم. "ألا هل بلغت؟ وكان يقول: "اللهم أشهد"؛ يشير إلى السماء بأصبعه, وينكتها إلى الناس.
ومن ذلك رفع يديه إلى السماء في الدعاء.
وهذا إثبات للعلو بالفعل.
3) وأما التقرير؛ فإنه في حديث معاوية بن الحكم رضي الله عنه؛ أنه أتى بجارية يريد أن يعتقها, فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: "أين الله؟ ". قالت: في السماء. فقال: "من أنا؟ ". قالت: رسول الله. قال: "أعتقها؛ فإنها مؤمنة".
فهذه جارية لم تتعلم, والغالب على الجواري الجهل, لا سيما أمة غير حرة, لا تملك نفسها, تعلم أن ربها في السماء، وضلال بني آدم ينكرون أن الله في السماء, ويقولون: إما أنه لا فوق العالم ولا تحته ولا يمين ولا شمال! أو أنه في كل مكان!!
ثالثا: وأما دلالة الإجماع؛ فقد أجمع السلف على أن الله تعالى بذاته في السماء, من عهد الرسول عليه الصلاة والسلام, إلى يومنا هذا.
إن قلت كيف أجمعوا؟
نقول: إمرارهم هذه الآيات والأحاديث مع تكرار العلو فيها والفوقية ونزول الأشياء منه وصعودها إليه دون أن يأتوا بما يخالفها إجماع منهم على مدلولها.
ولهذا لما قال شيخ الإسلام: "إن السلف مجمعون على ذلك"؛ قال: "ولم يقل أحد منهم: إن الله ليس في السماء, أو: إن الله في الأرض, أو: إن الله لا داخل العالم ولا خارجه ولا متصل ولا منفصل، أو: إنه لا تجوز الإشارة الحسية إليه".
رابعا: وأما دلالة العقل؛ فنقول: لا شك أن الله عز وجل إما أن يكون في العلو أو في السفل, وكونه في السفل مستحيل؛ لأنه نقص يستلزم أن يكون فوقه شيء من مخلوقاته فلا يكون له العلو التام والسيطرة التامة والسلطان التام فإذا كان السفل مستحيلا؛ كان العلو واجبا.

وهناك تقرير عقلي آخر, وهو أن نقول: إن العلو صفة كمال باتفاق العقلاء, وإذا كان صفة كمال؛ وجب أن يكون ثابتا لله؛ لأن كل صفة كمال مطلقة؛ فهي ثابتة لله.
وقولنا: "مطلقة": احترازا من الكمال النسبي, الذي يكون كمالا في حال دون حال؛ فالنوم مثلا نقص، ولكن لمن يحتاج إليه ويستعيد قوته به كمال.
خامسا: وأما دلالة الفطرة: فأمر لا يمكن المنازعة فيها ولا المكابرة؛ فكل إنسان مفطور على أن الله في السماء, ولهذا عندما يفجؤك الشيء الذي لا تستطيع دفعه، وإنما تتوجه إلى الله تعالى بدفعه؛ فإن قلبك ينصرف إلى السماء حتى الذين ينكرون علو الذات لا يقدرون أن ينزلوا أيديهم إلى الأرض.
وهذه الفطرة لا يمكن إنكارها.
حتى إنهم يقولون: إن بعض المخلوقات العجماء تعرف أن الله في السماء كما في الحديث الذي يروى أن سليمان بن داود عليه الصلاة والسلام وعلى أبيه خرج يستسقي ذات يوم بالناس, فلما خرج؛ رأى نملة مستلقية على ظهرها, رافعة قوائمها نحو السماء، تقول:
"اللهم! إنا خلق من خلقك, ليس بنا غنى عن سقياك". فقال: "ارجعوا؛ فقد سقيتم بدعوة غيركم"(1). وهذا إلهام فطري.


فالحاصل أن: كون الله في السماء أمر معلوم بالفطرة.
والله؛ لولا فساد فطرة هؤلاء المنكرين لذلك؛ لعلموا أن الله في السماء بدون أن يطالعوا أي كتاب؛ لأن الأمر الذي تدل عليه الفطرة لا يحتاج إلى مراجعة الكتب.
_____________
(1): القصة ضعفها  الشيخ الألباني في الإرواء (670).