السبت، 28 يونيو 2014

هل الأفضل ترتيل القرآن وقلة القراءة أو السرعة مع كثرة القراءة؟


قال الإمام ابن القيم رحمه الله كما في زاد المعاد(1/327-329): اختلف الناس في الأفضل من الترتيل وقلة القراءة، أو السرعة مع كثرة القراءةأيهما أفضل؟ على قولين:
فذهب ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما وغيرهما إلى أن الترتيل والتدبر مع قلة القراءة أفضل من سرعة القراءة مع كثرتها.
واحتج أرباب هذا القول بأن المقصود من القراءة فهمه وتدبره، والفقه فيه والعمل به، وتلاوته وحفظه وسيلة إلى معانيه، كما قال بعض السلف: (نزل القرآن ليعمل به، فاتخذوا تلاوته عملاولهذا كان أهل القرآن هم العالمون به، والعاملون بما فيه، وإن لم يحفظوه عن ظهر قلب.
وأما من حفظه ولم يفهمه ولم يعمل بما فيه، فليس من أهله وإن أقام حروفه إقامة السهم.
قالواولأن الإيمان أفضل الأعمال، وفهم القرآن وتدبره هو الذي يثمر الإيمان، وأما مجرد التلاوة من غير فهم ولا تدبر، فيفعلها البر والفاجر، والمؤمن والمنافق، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( «ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن، كمثل الريحانة، ريحها طيب، وطعمها مر» )
والناس في هذا أربع طبقاتأهل القرآن والإيمان، وهم أفضل الناسوالثانيةمن عدم القرآن والإيمانالثالثةمن أوتي قرآنا، ولم يؤت إيمانا، الرابعةمن أوتي إيمانا ولم يؤت قرآنا.
قالوافكما أن من أوتي إيمانا بلا قرآن أفضل ممن أوتي قرآنا بلا إيمان، فكذلك من أوتي تدبرا، وفهما في التلاوة أفضل ممن أوتي كثرة قراءة وسرعتها بلا تدبر.
قالواوهذا هدي النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه كان يرتل السورة حتى تكون أطول من أطول منها، وقام بآية حتى الصباح.
وقال أصحاب الشافعي رحمه اللهكثرة القراءة أفضل، واحتجوا بحديث ابن مسعود رضي الله عنه قالقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( «من قرأ حرفا من كتاب الله، فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقولالم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف» ) . رواه الترمذي وصححه.
قالواولأن عثمان بن عفان قرأ القرآن في ركعة، وذكروا آثارا عن كثير من السلف في كثرة القراءة.
والصواب في المسألة أن يقالإن ثواب قراءة الترتيل والتدبر أجل وأرفع قدرا، وثواب كثرة القراءة أكثر عددا، فالأولكمن تصدق بجوهرة عظيمة، أو أعتق عبدا قيمته نفيسة جدا، والثانيكمن تصدق بعدد كثير من الدراهم، أو أعتق عددا من العبيد قيمتهم رخيصة.
وفي "صحيح البخاري عن قتادة قال: «سألت أنسا عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (كان يمد مدا) »
وقال شعبةحدثنا أبو جمرة، قالقلت لابن عباسإني رجل سريع القراءة، وربما قرأت القرآن في ليلة مرة أو مرتين، فقال ابن عباس: (لأن أقرأ سورة واحدة أعجب إلي من أن أفعل ذلك الذي تفعل، فإن كنت فاعلا ولا بد، فاقرأ قراءة تسمع أذنيك، ويعيها قلبك)
وقال إبراهيمقرأ علقمة على ابن مسعود، وكان حسن الصوت، فقالرتل فداك أبي وأمي، فإنه زين القرآن.
وقال ابن مسعود: (لا تهذوا القرآن هذ الشعر، ولا تنثروه نثر الدقل، وقفوا عند عجائبه، وحركوا به القلوب، ولا يكن هم أحدكم آخر السورة)
وقال عبد الله أيضا: (إذا سمعت الله يقول: {ياأيها الذين آمنوا} [البقرة: 104]فأصغ لها سمعك، فإنه خير تؤمر به، أو شر تصرف عنه) .

وقال عبد الرحمن بن أبي ليلىدخلت علي امرأة وأنا أقرأ (سورة هودفقالتيا عبد الرحمنهكذا تقرأ سورة هود؟والله إني فيها منذ ستة أشهر وما فرغت من قراءتها.